فقط في السداسي الأول من هذه السنة، سجّلت المصالح الاستشفائية على مستوى ولاية وهران، ما لا يقل عن 253 حالة إصابة بداء السيدا القاتل الشنيع. المصابون من الجنسين و ينتمون إلى مختلف الشرائح الاجتماعية و فئات الأعمار... شباب، شيوخ و حتى أطفال، و إن لمعت النساء بعددهن من المصابين و الذي قارب المائة امرأة. و لكن قد يكون وقع الصدمة أكبر عندما نعلم بأن ما لا يقل عن 80 طفلا بريئا تتراوح أعمارهم ما بين عامين و 10 سنوات، ينتمون إلى هؤلاء المصابين، و من ضمنهم 14 طفلا حديث الولادة حسب ما أكّدته بعض المصادر ! في حين بلغ عدد الرجال المصابون 69 رجلا.
الرقم الجديد لعدد الذين صعقهم المرض الفظيع الذي عجّز الباحثين، لا يمكن اعتباره إلا بالمصيبة الحقيقية لأنه في الوقت الذي كان الملاحظون يرتقبون فيه أن تأتي برامج التحسيس و التوعية بثمارها و تقلّل من عدد الإصابات، فإننا نجد أنفسنا أمام حصيلة جديدة أكبر من تلك التي تم تسجيلها في العام الماضي بذات المنطقة الغربية من الوطن. بحيث أنه طيلة سنة 2007 (12 شهرا) تم تسجيل 340 حالة إصابة بالسيدا ، بينما كنا نشير، فقط خلال الستة شهور الأولى لهذا العام، تجد المصالح الصحيّة المحلّية نفسها أمام 253 حالة جديدة ... ففي أي رقم ستتوقف القائمة عند منتصف ليل يوم 31 ديسمبر، يا ترى ؟!
هل ستستطيع المصالح الاستشفائية الوهرانية التكفّل " الكامل" بكل هؤلاء المصابين الذين يُضافون إلى المصابين القدامى ؟ الأكيد أن للأطباء و الطواقم الطبية العاملة بوهران تجربة مكتسبة طيلة السنوات الأخيرة في معالجة الأشخاص المصابين بالسّيدا، و لكن متى يفهم الناس بأن " التكفّل" الصحّي بالشخصي المصاب بالمرض الرّهيب، لا يعني أبدا الشفاء، كما لا يمكنه في أي حال من الأحوال أن يعني إنقاذ حياة الشخص المصاب ؟ فأكبر الأطباء و الباحثين في العالم لا يزالوا عاجزين إلى يومنا هذا عن التوصّل إلى " علاج" لهذا الداء.
و إذا ما كان من الضروري التذكير بأن الشخص الذي يُبتلى بهذا الداء، لم يتعرّض إلى ما تعرّض له لأنه أقام علاقة ( شرعية أو غير شرعية) كانت هي سبب نقل الفيروس إليه، بحيث أن طرقا عديدة يمكن أن ينتقل بواسطتها الفيروس إلى أي شخص ، فانه يبقى من النافع أن نتساءل في المقابل إن كان الجزائريون يعرفون بالقدر الكافي مختلف الطرق و الوسائل التي يمكن أن تنقل المرض خارج العلاقات الجسدية... هل أغلب الجزائريين حتى لا نقول كلّهم، يعرفون هذا الأمر ؟ هل قامت السلطات الصحيّة في الجزائر بما يجب أن تقوم به على الصعيد الإعلامي و التحسيسي و التوعوي ؟ كم من ومضة دعائية أنجزتها وزارة الصحّة و بثّتها عبر التلفزيون و الإذاعة مثلا، كم من حصّة تلفزيونية و إذاعية أُنجزت طيلة العشر سنوات الأخيرة حول هذا الموضوع؟ هل قال الأئمّة الكلام الوافي في الموضوع، و كم من مرّة قالوه في خطبهم و دروسهم؟ كم من مقال علمي نُشر في الصحف الجزائرية بشأن هذه المسألة الشائكة ؟ هل قيل مكل ما يجب أن يُقال عبر كل تلك الحصص التلفزيونية و الإذاعية و المقالات الصحفية، خصوصا إذا ما علمنا بأننا لا نزال نعيش وسط مجتمع حبيس المحرّمات، في الوقت الذي يبادر فيه مسؤولو بلدان أخرى، بالذّهاب إلى غاية المدارس و الثانويات، لشرح كيفية استخدام الواقي أمام التلاميذ ؟... أي نوع من الخطاب بالضبط يجب أن تتوخّاه السلطات الجزائرية حتى تكون مطمئنة بوصول " الرّسالة" للإنسان الجزائري الذي لا يزال يعتقد ربما بأن السيدا يمكن أن يصيب كل خلق الله عبر العالم.. إلا هو ؟ هل كل الجزائريين الذين أصيبوا بالسيدا أميّين و دفعوا ثمن جهلهم أم أنه يوجد من بينهم من يُفترضُ أنهم مثقفون و لكنهم تصوّروا ربما بأنهم " أذكى" من الفيروس، تماما مثلما لم تمنعهم " ثقافتهم" من مخالطة بنات الشوارع " الجديدات" و نلحّ هنا على استعمال كلمة " جديدات" لأن داعرات الجيل الجديد في بلادنا، يتمتعن بمظهر و أناقة و مؤشرات تقدّم و تحضّر تكفي كي تُبعد عنهن كل الشبهات. فيتصوّر الضحيّة بأن كل نساء العالم يمكنهن أن يحملن شرّ الايدز إلا تلك المرأة لأنها ... في مستوى آخر ! ... مع أن كل الأذى يمكن أن تحمله في جسمها، تلك المرأة الجميلة الأنيقة المتطوّرة التي تتقن استخدام لغتين أو ثلاث لغات ربما !
لا ينكر أحد بأن الدعارة انتشرت في الجزائر خلال السنوات الأخيرة بوتيرة جهنمية، و هذا بسبب عدة عوامل شجّعت على هذا الانتشار. البعض يرفع سبب الفقر، و لكن الكثيرون يرفعون في المقابل سبب جنون البحث عن المال و حياة التّرف " بأي ثمن" و في أسرع وقت ممكن، كما هو الحال بالنسبة لشابات جامعيات للأسف. الدعارة تفشّت أيضا لأن أوكارها تكاثرت هي كذلك، و ما الحملة الأخيرة التي شرعت فيها السلطات العمومية على تلك الأوكار و هي الحملة التي أخشى ما نخشاه أن تكون موسمية و سرعان ما تُنسى ككل الحملات الظرفية، ما هي إلا دليل على أن السّيل بلغ الزبى، و إلا لما تحرّك المسؤولون.كلمة أخيرة لا مفرّ من قولها، و هي إذا كان بفضل عوامل معيّنة عُرف رقم المصابين الأخير بالسيدا في وهران، فان مناطق أخرى من الوطن، و هي ساحلية في معظمها، قد تخفي أرقاما أفظع من الرقم المسجّل بوهران. و لذا هل تنفع وصيتنا للجزائريين و الجزائريات بالتعفّف و تفادي ارتياد أماكن السوء و تجاهل " الوحش" الذي يترصّد لهم و لهن في زي " ملائكة" ؟... على كل أقل ما نقدمه للجزائريين النصائح التالية، لكن ليس قبل أن نكرّر التحذير... احذروا السيدا انه يتجوّل انه يرتع في الجزائر، و لا يميّز بين هذا و ذاك.
السبت ديسمبر 15, 2012 3:20 am من طرف abouhamza