الأدبي المطلوب توفيره من أجل العمل على إحداث تغييرات في النسيج الاجتماعي للمجتمع العربي الإسلامي،و ذلك بغية تدجينه و إفراغه من خصائص قد تجعله عصيا على الانقياد و التبعية، تلك التبعية اللازمة من أجل استباحة الأسواق و استحلال الخيرات و استغلال القدرات...و من أجل بناء أركان ذلك الكيان منهم الطامع في الهيمنة على العالم كله، و خاصة على ذلك الجزء الذي طالما استعصى بل و حتى سيطر و ساد في زمن من الأزمان...
ف دنيس جونسون ديفز الكندي المستعرب مر من هيئة الإذاعة البريطانية، تلك المؤسسة التي يراد لها أن تبدو الثقافية و الإعلامية المحايدة، بل و المهتمة بشؤون العالم العربي و الإسلامي...لكنه في الحقيقة ليست إلا وسيلة من وسائل تتبع مُستعمَري الأمس عن طريق إعلام مشوق مغر ينضح بالتفتح و يدعو إلى 'التجديد' ،بل و يبدو و كأنه يواكب الصعوبات و يقترح لها حلولا، ثم و كأنه أيضا يقتحم الغوامض و يستجلي الخبايا بطريقة تقدم بأنها العلمية النزيهة الوجيهة.[/size]
ف'الدراسات النقدية' و 'التحليلات الواعية' تنطلق منها هي المؤسسة الإعلامية،و تتغلغل في عمق نسيج الواقع الفكري و الثقافي السياسي الاجتماعي العربي...ثم و الاستنتاجات تكون دائما منتقدة ما هو كائن و داعية إلى ما يجب أن يكون...أي ما يرضيه هو المُستعمِر أن يرى عليه المُستعمَر من تبعية و استلاب و سير نحو تقليد أعمى، يستوعب القشور دون القدرة على الغوص في بواطن الأمور...ففي الاقتباس من مجلة العربي أعلاه يبدو و كأن هذا المستعرب المستشرق هو الذي يملي ـ و بشدة ـ ما يجب أن يكون... أي ما يجب أن تكون عليه الرواية الأولى لنجيب محفوظ 'اللص و الكلاب'و التي صدرت سنة 1961 تلك التي رأى ـ و قد شهد بذلك شخصيا في مقاله المترجم ذاك ـ أنها لا تتوفر على القدر الكافي من الجنس و العنف حتى تحظى برضاه هو المُحَكَّم و المُوَجِّه، و تبعا لذلك طبعا برضا الغرب ـ الإنجليز ـ الذين سخروه لكي يقوم بتلك المهمة من توجيه و 'تصويب' للمؤثرات في الحقل الفكري الثقافي عن طريق التأثير في الفاعلين المنتجين فيه.و لم يكن هذا الأمر بالمستغرب منه و لا بالمستهجن لدى نجيب محفوظ، إذ كان يعرف الذين كان يكتب لهم و من أجلهم، كما كان يستوعب أنها المحجة و السبيل لكي ينال الرفعة لديهم و يحظى بالتقدير على أيديهم، كان يدرك منذ البداية و منذ ذلك الحين المتقدم بأن حل القعدة معهم، و لقد فاز في النهاية إذ تتبع المسار و أطاع الأوامر...هو إذا ذلك الجنس المتناثرة الشذرات منه، بل تلك الكتل في كل 'الإبداع' المبدع من طرف 'الأديب العالمي' نجيب محفوظ كان توصية غربية إنجليزية،و من طرف خبير غربي كندي، كان الحاضر و المتواجد في القاهرة من أجل ذلك لا غير...كل هذا يبدو جليا و واضحا في المقال الذي منه الاقتباسات التالية للكاتب و الناقد 'عزت عمر' المنشور في موقعه الإلكتروني (2)، و الذي هو عبارة عن قراءة مختصرة لكتاب 'ذكريات في الترجمة'، لدينس جونسون ديفز(3).'...دنيس جونسون ديفز» من مواليد مدينة فانكوفر بكندا عام 1922، اختار أن يتخصص باللغة العربية مبكّراً، وربّما لأنه أمضى بعضاً من طفولته في القاهرة، وفي وادي حلفا بالسودان، ولكن هذه الرغبة المبكّرة في دراسة اللغة العربية سوف تصطدم بعائق كبير يتمثّل في منهج سقيم يدرّسه مستعربون لم يسبق لهم أن عاشوا أو زاروا أي مكان في العالم العربي، مما دفع بالفتى الطامح إلى ما يشبه اليأس.حيث إنهم كانوا يعلّمونه لغة ميتة لم تمكّنه من شيء، اللهم بعض الدروس من كتاب «الكامل» للمبرّد، لم تشكّل أرضيّة تمكّنه من الانطلاق منها نحو دراسات معمّقة، أو العمل في إحدى الأكاديميات، ولم تمكّنه في الوقت نفسه من الدخول في عالم الأدب العربي الحديث، إلاّ أن الصدف ستقوده نحو هيئة الإذاعة البريطانية، لينطلق في رحاب العربية من خلال الموظفين العرب هناك، ومن خلال دأبه وإصراره على تعلّمها...'(4).فهذا الذي أصر على تعلم العربية، و كان قبل ذلك قد تشرب النمط الحياتي العربي منذ الطفولة، لم يكن هنالك أحسن منه ليُكلف بمهمة تأطير الواقع الثقافي في البلدان العربية في تلك الفترة، و ذلك حتى يتيسر إدماجها في المنظومة الفكرية الميسرة لتكريس استعمارها و من ثم ابتلاعها و خيراتها كلية...و يستمر المقال المحلل لما ورد في كتاب ذلك المستعرب القائم بالمهمة دينس جونسون ديفز:'... ومن ذلك على سبيل المثال حياته في القاهرة إبّان المرحلة الاستعمارية، وانخراطه في حياتها الثقافية وبداية مشروعه الترجميّ لكبار كتّاب القصّة والرواية والمسرح آنذاك...'(5).لقد كانت تلك المرحلة الاستعمارية... فترة حضور المستعمر شخصيا بعسكره و سياسييه و منظريه و فكره وثقافته الغالبين المسيطرين...و هي المرحلة التي استغلها هو المستعمر خير استغلال من أجل تهيئة الأجواء للتحول الاجتماعي الفكري الثقافي الضروري قبل الاضطرار إلى الانسحاب...إذ هو كان و لابد و يدرك أنه المنسحب يوما ما لوجود معارضين للاحتلال و مناضلين من أجل الاستقلال، ثم هو الاحتلال العسكري مكلف و مرهق مجهد، لكن ذلك الاحتلال الفكري بخس التكاليف، و مستمر متواتر الوجود حتى بعد انسحاب العسكر... إذ يكفي من أجل التوصل إليه بناء فكر تلامذة نجباء مطيعين مستوعبين للدرس و للتعاليم، و لابد أن يكونوا الطامعين في الحظوة عنده ـ هو الغالب ـ يمنون بها أنفسهم فلا يشقون عصا الطاعة، و لا يحيدون عن المسار رسم لهم و لو بقدر يسير..ثم إن هذا العقل المدبر لم يكتف به وحده هو نجيب محفوظ، بل كان معه الكثيرون ممن كان يرى فيهم الرغبة في نيل تلك الحظوة حتى مع ترك الهوية...تلك التي لربما كانت قد انمحت أصلا بفعل تثاقف أهوج مع المستعمر و مع تراكماته المعرفية، و التي كان هو ذلك المستعمر لا يمتحها إلا من عمقه الغربي و من كيانه و من خصوصياته:'... وقارئ هذه الذكريات لا بدّ له أن يلاحظ أن مسيرة دنيس جونسون ديفز الترجمية، رافقت مسيرة الأدب العربي الحديث والمعاصر، فهو منذ أربعينات القرن العشرين مقيم في الشرق الأوسط وعلى تماس مع مثقفيه الأعلام، حيث يفرد مساحة مناسبة لكلّ واحد منهم بكثير من الودّ والموضوعية، فبالإضافة إلى من ذكرناهم نجده يقف عند كلّ من: نجيب، لويس عوض، يحيى حقّي، يوسف إدريس، الطيّب صالح، إدوار الخرّاط وغيرهم...'(6).فها هو يُرى في القاهرة و هو لا يؤطر نجيب محفوظ فحسب...أي واحدا فقط...لكنه يواكب التكوين الفكري الأدبي لمجموعة من هؤلاء 'الكتّاب' المستعدين للاستلاب، و الراغبين في الشهرة كيفما كان و كيفما اتفق:'...حيث يتابع القارئ ذكريات المؤلّف في تلك المرحلة المهمّة من نهوض الأدب العربي الحديث، ويطلعه على كثير من الجوانب الشخصية لهؤلاء الكتّاب بدءاً من محمود تيمور الذي ترجم له كتاباً يضمّ مجموعة من قصصه بعنوان «أقاصيص من الحياة المصرية».حيث يذكر المؤلّف أنه كان اعتاد لقاء تيمور بصورة منتظمة في مقهى الجمّال، أو في دعوات الغداء التي كان ينظّمها للكتّاب الناشئين الذين كان يرعاهم، وبذلك فإنه فتح له الطريق للتعرّف على عدد من هؤلاء الكتّاب، ومما يذكره في هذا الصدد أن محمود تيمور كان كريماً في رعايته للكتاب الشبّان، بما في ذلك دفع تكاليف طباعة الكتاب لدينيس، بالرغم من أنه لم يكن هناك اتّفاق بينهما حول ذلك...'(7).و كما يبدو جليا في المقال فقد كان يساعده في ذلك كاتب مصري تشرب نفس التأثير الغربي، و نُسج فكره على نفس النول الذي يباركه ذلك المستعرب، و يعمل من أجل ترسيخ العمل به و توسله، إنه الأديب محمود تيمور...ثم ها هو آخر من تلك الفئة المُؤطَّرة رضيت عنه حتى الصهيونية ممثلة في شخص الإسرائيلي الصهيوني المشهور 'أبا إيبان'، إذ كافئه حتى قبل أن يفعل دنيس جونسون ديفز بترجمته لمؤلفه 'يوميات نائب في الأرياف':'...أما توفيق الحكيم، فكان يجلس معه صباحاً خارج مقهى «ريتز»، وكان قد قرأ كتابه «يوميات نائب في الأرياف» وساورته الرغبة في ترجمة الكتاب إلى الإنجليزية، غير أنه فوجئ بأن الكتاب ترجم من قبل «أبا إيبان» الذي سيصبح وزير خارجية «إسرائيل» لاحقاً...'(.ثم إنه هذا المكلف بمهمة لم يقنع بالعمل الدءوب من أجل استكمال رسالته في القاهرة، و إنما تجاوزها إلى بلدان عربية أخرى كالعراق مثلا، و ذلك من أجل أن 'يصوب' مسار مثقفيها و 'يسدد'خطاهم حتى تكون الوجهة المبتغاة التوصل إليها واحدة في جميع الدول العربية:'...لينتقل بعد ذلك إلى العراق في عمل لدى إحدى الشركات، وسيمضي هناك وقتاً لا بأس به مع جبرا إبراهيم جبرا و بلند الحيدري وبدر شاكر السيّاب ولميعة عباس عمارة، ومن خلال لقاءاته بجبرا في لندن سيتعرف إلى توفيق صايغ الذي كان يعمل آنذاك محاضراً في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية...'(9).و لكي يحسن ذلك المستعرب القيام بمهامه كان عليه ـ و لابد ـ أن يستعين بالمجلات الأدبية، تلك التي تهب للأديب الإمعة فرصة للانتشار، و يمكن أن يقايضها حتى ببيع هويته، و خاصة إذا كانت المهلهلة المتأرجحة أصلا تلك الهوية:'...وكان المؤلّف إبان إقامته في لندن قد أصدر مجلة أدبية سمّاها «أصوات» صدر منها اثنا عشر عدداً، ساهم الكثير من الكتاب والشعراء بها، ومنهم توفيق صايغ، و السيّاب وغسّان كنفاني وغيرهم، وفي معرض حديثه سيتعرض إلى قضية مجلة «حوار» التي أثيرت عنها أقاويل شتّى لجهة تمويلها.حيث يذكر المؤلّف أن الأميركي 'جون هانت' مندوب منظمة «مؤتمر الحرية للثقافة زاره في أوائل الستينات، وأبلغه انه يفكّر في إصدار مجلة ثقافية باللغة العربية، وإسناد رئاسة تحريرها إلى يوسف الخال صاحب مجلة «شعر» في بيروت، إلاّ أن المؤلّف سيقترح عليه توفيق صايغ.و في هذا الصدد يقول: كنت اعرف أن توفيق إنسان صعب المراس، وأعلم أنه لن يوافق على أي شيء إلاّ على الحرية الكاملة في كلّ ما يتعلّق بالتحرير». وصدرت هذه المجلة بالفعل ولقيت قبولاً حسناً، إذ تضمنت أعدادها الأولى رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيّب صالح بكاملها، غير أن الكثيرين في العالم العربي كما يذكر المؤلّف لم يكونوا سعداء حيال راعيها الرسمي، الأمر الذي منعه وجبرا من الكتابة فيها.و عندما سألهما توفيق عن السبب أخبراه بأن الشكوك تساورهما بشأن الراعي، و أنهما ليسا في وضع يخاطر معه بالكتابة لمجلة ينظر إليها الكثيرون بعين الشكّ. ولم تنقض أشهر على هذا الحديث، حتى انكشف أمر تمويل منظمة «مؤتمر الحرية الثقافية» التي كانت ترعى مجلة «حوار» من قبل المخابرات المركزية الأميركية، وهكذا فإن جام الغضب سوف يندفع باتجاه توفيق صايغ واتهامه بأنه جاسوس أميركيّ....'(10).فالمقال من ذات نفسه يكشف عن هوية الممول، تلك التي أوردها كاتب المقال ـ عزت عمر ـ بعفوية و سذاجة دون أن تثير في نفسه شيء ضد من تصدى لمدحه و إكباره ـ و سيأتي ذكر ذلك ـ هو ذلك 'الخادم المتجرد' من أجل الأدب العربي دينس جونسون ديفز!!!فدنيس جونسون يوافق زميله في التخطيط الأميركي جون هانت مندوب منظمة 'مؤتمر الحرية للثقافة 'على إصداره المجلة الممولة من طرف المخابرات الأمريكية، بل و يقترح لها رئيس تحرير من تلامذته و خلصه الأوفياء...كل هذا و هو يكتم عنهم مصدر التمويل!تواطؤ بغيض و يعكس الترتيب المسبق للخطة المعدة من أجل الإجهاز على الهوية العربية الإسلامية عن طريق الأدب و الأدباء، أولائك الذين ما أهَمِّهم إلا نشر سطورهم المفعمة بالجنس و بالتراكيب المختلة العامية على تلك المجلات هنالك في الغرب، و ذلك دونما التساؤل عن هوية تلك الجهات الداعمة لتلك المجلات...الطيب صالح نموذجا...[size=21]فهذا مقال للكاتب د.صديق أمبده بعنوان 'سياحة في كتابه 'ذكريات في الترجمة'ـ مترجم أعمال الطيب صالح دينس جونسون ديفز'، نشر في الموقع الإلكتروني 'السوداني' بتاريخ 9 ـ 12 ـ 2007 (11)، و يدعم هذا الطرح و يساهم في التدليل عليه