تكون السينوغرافيا المعروضة وظيفية وهادفة تخدم العرض المسرح والمتلقي على حد سواء ؛
-أن تكون مشوقة ومحفزة وحارة ومؤثرة في الجمهور تترك أثرا إيجابيا على مستوى الرصد والتلقي؛
-أن تكون السينوغرافيا شاملة ومنفتحة ومتنوعة تجمع بين ماهو سمعي وبصري وحركي ؛
-أن يكون للسينوغرافيا تأثير كبير على مستوى التلقي والفرجة عن طريق إثارة المستمع المتفرج ذهنيا ووجدانيا وحركيا، تطهير أو تغريبا؛
-أن تتسم بالجودة الجمالية والفنية تأسيسا أو تجريبا أو تأصيلا؛
-أن تنفتح على جميع المدارس المسرحية الفنية، و تكون حبلى بالمستنسخات الأنتروبولوجية الماقبل المسرحية ؛
-أن تتسم بالإيحائية والرمزية والشاعرية والتناصية والپوليفونية والأسلبة اللغوية؛
-أن تستفيد من الصور الرقمية والإيهامات السينمائية الحركية؛
-أن تطبع بخاصية الاتساق والانسجام والوظيفية الهرمونية المتآلفة أي تتسم بالتناسق الدلالي والسيميائي؛
-أن تكون السينوغرافيا في خدمة الأزمة الدرامية والتوتر المسرحي المشحون بالصراع؛
-أن تكون كتابة ثلاثية الأبعاد ( العرض والطول والعمق)؛
-أن تكون سينوغرافيا طليعية تجريبية وحداثية تتسم بالتأسيس والانزياح وتخييب أفق الانتظار؛
-أن تستفيد من مفارقات التكسير الزمني توازيا وتقاطعا وتشظيا؛
-أن تستعين بالتقنيات الآلية والرقمية الحديثة؛
-أن تحطم الجدار الرابع كي تنفتح على الجمهور ومتفرجي الصالة تفاعلا وتأثيرا وتجاوبا؛
-أن تنزاح عن مكونات العلبة الإيطالية لتنفتح على جمهور شعبي واسع إن أمكن تحقيق ذلك كسينوغرافيا الحلقة أو سينوغرافيا المسرح الأنطروبولوجي أو سينوغرافيا المسرح الاحتفالي؛
-أن تحول نظر الجمهور إلى وجهات مشهدية متعددة بدلا من الوجهة المركزية الوسطى التي تحدد المثلث الدرامي الكلاسيكي. وبتعبير آخر، أن توجه نظر الراصد وإدراكه ضمن الأبعاد الهندسية الثلاث؛
-أن تنبع السينوغرافيا المشهدية من رغبات الممثل وقناعاته الجمالية والتصورية، وألا تفرض عليه فرضا أو قسرا.
6/ أنواع السينوغرافيا:
يمكن الحديث عن نوعين من السينوغرافيا من حيث المستوى الفني، فهناك السينوغرافيا الكلاسيكية والسينوغرافيا الطليعية أو التجريبية. فالسينوغرافيا الكلاسيكية هي التي تعتمد على ماهو باروكي تزييني مظهري، و تتسم بفخامة الديكور وكثرة القطع التي تملأ الخشبة، ووجود مجموعة من الإكسسوارات التي يستعين بها الممثلون أثناء أداء أدوارهم التمثيلية كما أنها تحاكي الواقع بحرفية مباشرة أو غير مباشرة .
أما السينوغرافيا التجريبية فهي سينوغرافيا شاملة تجمع بين تقنيات المسرح الفقير لدى گروتوفسكي و استعمالالأيقونات البصرية السيميائية الموحية الدالة، والاستعانة بالموروث الشعبي واستعمال الرقص والغناء وجسد الممثل كوليغرافيا والاستفادة من التشكيل وكل الفنون البصرية المتعلقة بالرسم والنحت والعمارة والحفر والكرافيك.
هذا، ويمكن الحديث عن أنواع عدة من السينوغرافيا على مستوى التوظيف، فهناك سينوغرافيا وظيفية وغير وظيفية، وسينوغرافيا جامدة ثابتة وسينوغرافيا متحركة وديناميكية تتسم بالحيوية وحرارة الصراع الدرامي والحياة المفعمة بالتوتر.
كما يمكن الحديث على مستوى الوسائل عن سينوغرافيا فوتوغرافية، وسينوغرافيا رقمية، وسينوغرافيا مسرحية، وسينوغرافيا كوليغرافية، وسينوغرافيا سينمائية، وسينوغرافيا إذاعية،وسينوغرافيا تشكيلية.
ومن حيث التأثير، نلفي سينوغرافيا ذهنية عقلية، وسينوغرافيا انفعالية وجدانية، وسينوغرافية حسية حركية.
ومن حيث ماهو فني وجمالي، ثمة أنواع كثيرة من السينوغرافيا حسبتنوع المدارس والاتجاهات الأدبية والمسرحية، إذ يمكن الحديث عن سينوغرافيا واقعية، وسينوغرافيا طبيعية، وسينوغرافيا بيوميكانيكية، وسينوغرافيا فانطاستيكية، وسينوغرافيا ﮔروتيسكية Grotesque[vii]، وسينوغرافيا شاعرية، وسينوغرافيا واقعية سحرية، وسينوغرافيا رمزية، وسينوغرافيا سريالية، وسينوغرافيا تكعيبية، وسينوغرافيا تجريدية،وسينوغرافيا تراثية، وسينوغرافيا فانطاستيكية، وسينوغرافيا فارغة أو صامتة، وسينوغرافيا سوداء، وسينوغرافيا أسطورية ميتولوجية، وسينوغرافيا طقوسية / دينية، وسينوغرافيا عبثية، وسينوغرافيا وثائقية تسجيلية، وسينوغرافيا جسدية كوليغرافية، وسينوغرافيا رقمية إلكترونية.
ومن حيث المكونات والعناصر نتحدث أيضا عن سينوغرافيا الصوت ، وسينوغرافيا الموسيقا ، وسينوغرافيا الحركة ، وسينوغرافيا الجسد، وسينوغرافيا الكلمة، وسينوغرافيا الإضاءة، وسينوغرافيا الألوان ، وسينوغرافيا الأشياء، وسينوغرافيا الأزياء، وسينوغرافيا التلقي والصالة، وسينوغرافيا المكان. بل هناك أنواع أخرى من السيبنوغرافيا في مجالات أخرى كسينوغرافيا المعارض، وسينوغرافيا الرقص الاستعراضي، وسينوغرافيا الكرنفال، وسينوغرافيا الألعاب.
7/ سيميوطيقا السينوغرافيا :
تحضر السينوغرافيا فوق الخشبة الركحية باعتبارها علامات سيميائية تتكون من الدال والمدلول في انفصال تام عن المرجع الحسي. وبالتالي، تأتي هذه العلامات في شكل أيقونات قائمة على المماثلة ورموز قائمة على التدلال الاعتباطي الاصطلاحي، والإشارات التي ترتكز على مفهوم السببية والمؤشر الاستنتاجي.
ويمكن الحديث عن أربع شفرات سننيةسيميائية تنطبق على المسرح كالشفرة الكنائية، مثلا: يحيل الديكور المترف دراميا وسيميائيا وبلاغيا وسياقيا على الطبقة البورجوازية، والشفرة التناظرية القائمة على عدد من المقارنات العقلية والإدراكية المتناظرة، والشفرة الاستبدالية كتحويل أو استبدال مجموعة من البنادق والمسدسات إلى عدد من الرموز الجنسية، والشفرة المكثفة وهي مجموعة من العلامات المختلفة والمتعددة التي يتم الربط بينها لتكوين علامة مركبة جديدة، كان يجري الربط مثلا بين صور الفيديو الموسيقية الغنائية ( المسماة فيديو كليب) وبعض الإعلانات الخاصة ببعض السلع أو بعض المناطق السياحية.[viii]
ويمكن تجميع الشفرات السيميائية الموظفة في العرض المسرحي في الشفرة اللسانية التلفظية والسمعية، والشفرة البصرية، والشفرة الحركية،. كما يمكن الحديث أيضا في العرض السينوغرافي عن شفرة مكانية، وشفرة زمنية، وشفرة شخوصية، وشفرة شيئية، وشفرة حدثية، وشفرة لغوية ، وشفرة أيقونية.
وقد ظهر المسرح باعتباره نظاما سيميوطيقا وعالما مكثفا من العلامات مع الشكلانية الروسية والبنيوية الفرنسية وسيميوطيقا الثقافة ومع سيميوطيقا بيرس وسيميوطيقا ﮔريماس ورولان بارت وهيلبو وكير إيلام في كتابها" سيمياء المسرح والدراما" [ix]، وتادوز كوڤزان(T.M.Kowzan) في كتاباته عن " العلامة في المسرح" [x]، " وقد نشأت مقولة المسرح كنظام من العلامات وراءها خلفية من الفكر الشكلاني الروسي، خاصة في بداية القرن العشرين، ثم ظهرت بقوة منخلال العمل الرائد لمدرسة براغ في الثلاثينيات والأربعينيات منه. فقد طبق أعضاء مدرسة براغ منهجا سيميوطيقا على كل الفعاليات الفنية. وكان ثمة اهتمام بأشكال متعددة من المسرح ( مثلا المسرح الشعبي والمسرح الصيني) في محاولة لرصد الأسئلة، ومناطق الاهتمام الجوهرية بالنسبة على هذه الطريقة الجديدة في الرؤية. وكان نقاد مدرسة براغ مؤمنين بسيميوطيقا للنص والعرض معا، والعلاقات بين الاثنين".[xi]
ومن ثم، فالعلامات المسرحية المتنوعة مادة مفتوحة ومتعددة الأطراف والسياقات يمكن إخضاعها لمنهجين نقديين هما: المنهج اللساني الذي يتكلف بدراسة المؤشرات اللغوية واللفظية ، والمنهج السيميوطيقي الذي يعني بالصور البصرية والرموز الأيقونية والحركية.
7/ سينوغرافيو القرن العشرين:
قد حقق مجموعة من السينوغرافيين أعمالا مسرحية رائعة بفضل اهتمامهم الكبير بتجويد العرض المسرحي وتزيين السينوغرافيا، ومن أهم هؤلاء نذكر: مايير خولد الذي اهتم بالسينوغرافيا البيوميكانيكية ، وﮔروتوفسكي الذي اهتم بالسينوغرافيا الشاملة وخاصة السينوغرافيا التي تجمع بين الكلمة والحركة والحوار والجسد، والسويسري آدولف آبياAdolphe Apppia (1962-1928م) الذي ركز على سينوغرافيا الإضاءة التموجية، واعترض على الفضاءات المسطحة المتعادلة الناتجة عن استخدام الإضاءة الأرضية وتعويضها بالإضاءة المتموجة ذات الظلال الشاعرية غير المركزة أو الإضاءة العامة. وقد اهتم بالسينوغرافيا التجريدية كما يظهر ذلك واضحا في مسرحية " فاوست" لجوته، وبالإيقاع البصري والجسدي الوظيفي المتناغم مع كل مكونات العمل المسرحي..
ونذكر كذلك الإنجليزي إدوارد گوردون كريگ Edward Gordon Craig الذي قدم لأول مرة في القرن العشرين سينوغرافيا شاملة موحية ودالة تتجاوز ماهو زخرفي إلى ماهو فني وجمالي تركيبي. كما اهتم الفرنسي جاك كوپو (1879-1949م) بالفضاء السينوغرافي من خلال العودة إلى مسرح مكشوف يقترن بالممثل وحركيته ويستبعد الآلية والتقنيات الميكانيكية. بينما الفرنسي أندريه أنطوانAndré Antoine(1858-1943م) يرى في السينوغرافيا الطبيعية أنها هي التي تحدد حركات الشخصيات وليس العكس.
وهناك أيضا مجموعة من السينوغرافيين الروسكدياغليڤ Diaghlev ولارينوڤlarinov، و ألكسندر تايروف Alexander Tairovالذي اقترن بالسنوغرافيا التجريدية. إذ جعل تايروف ممثليه يستخدمون ماكياجا غريبا لا يشبهون به أحدا في الواقع، وبهذا يصبحون أشخاصا منفردين في عيون المتفرجين في أزيائهم الغريبة الفانطاستيكية. ومن ثم، يكثرون من الألعاب البهلوانية والماكياج الساخر والشقلبة التهريجية والتشخيص الكاريكاتوري الهزلي.
ونستحضربيتواف باعتباره سينوغرافيا تجريبيا متميزا في أعماله الدرامية التي أخرجها للجمهور. فكان يلتجئ في عرض فرجاته الدرامية إلى الاقتصاد في السينوغرافيا نظرا لحاجته إلى الإمكانيات المادية والمالية؛ مما يدفعه الأمر إلى تشغيل الديكور الفقير واستخدام السينوغرافيا المقتصدة واستعمال أساليب مبتكرة في الإخراج الدرامي.
وقد عرف بيتواف أيضا بتوقيف الأحداث المسرحية بطريقة مؤقتة عند مشهد معين للتركيز عليه بطريقة فوتوغرافية مبأرة مستخدما في ذلك تقنية الوقفة la pause الإخراجية.
ونذكر اليوناني يانيس كوكوس الذي أرسى السينوغرافيا المعاصرة على فن التشكيل والرسم حيث يقول:" إنني أوجد بالرسم، ولا أعني هنا الرسم بوصفه فنا، لكن الرسم الذي يساعدني على التفكير، وعلى التكوين، فالرسم هو الأصل في كل شيء. وعلى سبيل المثال، بعض الأحيان أقوم برسم لوحة درامية أجمع فيها جميع الحركات التي لايمكن أن نراها مجتمعة، ولكن هذه الحركات في مجموعها تخلق مناخ اللوحة. وبفضل هذه الرسوم البسيطة أستطيع في بعض الأحيان أن أعدل من وضع الجسم. والاستمتاع بالرسم هو طريقتي لشغل المساحة والفضاء بالأجسام. وفي واقع الأمر بالنسبة إلي أن كل شيء قائم على الرسم، مما يسمح لي بعدم تجمد أفكاري، ويساعد أيضا على وقاية الحركة السينوغرافية، ويجعل دمجها في فكر العرض مستمرا"[xii].
ولا ننسى السينوغرافي المعاصر روبرت ويلسون الذي اهتم بسينوغرافيا الصورة والرؤى المرئية ، أما أنطوان أرطو وأجينيو باربا فقد ركزا على السينوغرافيا الشرقية ذات الطابع الاحتفالي الطقوسي والديني والسحري (سينوغرافيا الواقعية السحرية).
خاتمــــة:
وعليه، فإذا كان الديكور مفهوما جزئيا ، فإن السينوغرافيا مفهوم عام يجمع بين الديكور وكل المكونات البصرية والسينمائية التي تعرض على خشبة العرض. كما يعكس لنا المكون السينوغرافي نوع الرؤية الإخراجية وطبيعتها، ويبين لنا الفضاء المؤثث ومكوناته التشييئية ودواله اللغوية والرؤيوية في علاقتها التفاعلية والتواصلية مع الجمهور. وقد تكون السينوغرافيا إما جادة ساكنة لاحركة فيها وبدون حرارة ولا حياة ، أي سينوغرافيا مليئة بالحوارات السقراطية أو الحوارات الدرامية المباشرة والمنودراميةالتي تقتل شاعرية العرض بسبب الروتين والتكرار والفعل الدائري، وإما تكون سينوغرافيا متحركة ديناميكية شخوصيا أو آليا أو كوليغرافيا يراد منها خلق فرجة فنية بصرية وسمعية وحركية دالة وممتعة.
الهوامش:
[i]- الدكتور شاكر عبد الحميد: عصر الصورة، عالم المعرفة، الكويت، العدد:311، ص:312؛
[ii]- محمد إبراهيم: ( المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج)، جريدة الفنون، الكويت، السنة 8، يناير 2008م، العدد:85، ص:85؛
[iii]- محمد إبراهيم: ( المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج)، جريدة الفنون، ص:85؛
[iv]- محمد إبراهيم: ( المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج)، جريدة الفنون، ص:85؛
[v]-Pavis, P: Dictionnaire du théâtre, Editions Sociales, Paris, 1980, p:254;
[vi]- أحمد بلخيري: معجم المصطلحات المسرحية، الطبعة الثانية،مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006، ص:97؛
[vii]- ﮔروتيسك: هو الذي يتمظهر في شكل كاريكاتوري مشوه ومخيف وغريب. وهو كذلك عبارة عن زخارف وتلوينات وبمثابة أرابيسك، وانغلاق الأشكال، وباقات الورود والحيوانات.