منتديات سكيكدة (منتدى سكيكدة الأول )
[table style="WIDTH: 262px; HEIGHT: 139px" border=1 align=center]

[tr]
[td]
[/td][/tr][/table]للتسجيل أو الدخول يرجى الضغط على أدناه
يسرنــــــا أن تكون عضوا في بيتنا
منتديات سكيكدة (منتدى سكيكدة الأول )
[table style="WIDTH: 262px; HEIGHT: 139px" border=1 align=center]

[tr]
[td]
[/td][/tr][/table]للتسجيل أو الدخول يرجى الضغط على أدناه
يسرنــــــا أن تكون عضوا في بيتنا
منتديات سكيكدة (منتدى سكيكدة الأول )
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.




 
الرئيسيةالبوابـــةأحدث الصورالتسجيلدخول

توفيت والدة صاحب المنتدى نرجو  من جميع الزوار و الأعضاء الدعاء لها بالرحمة و المغفرة "" اللهم اغفر لها و ارحمها ""


 

 الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:19 pm

ماهية الأسطورة
تعبر الأسطورة عن تصورات جماعية مشتركة ، أفرزها الخيال البشري المجنح ، وأودع فيها كل طــاقــاتــه الجمالية والإنسانية مما دفعها إلى الإجابة عن تساؤلات كثيرة ، ووضعت حدودا لأخرى ، الأمر الذي زاد في جاذبيتها واستمراريتها .
والأمر الذي لا تعويل إلا عليه أن الأسطورة تفرض علينا نظرة تأمل فيها لغويا واصطلاحيا لتدبر معانيها وتعرف دلالتها ورمزيتها .
أ/ التحديد اللغوي:
تتفق غالبية المعاجم العربية إنطلاقا من لسان العرب إلى تاج العروس ،والصحاح ، والقاموس المحيط ، مثل ما ورد في لسان العرب ، أن الأسطورة من مادة "سطر" يسطر سطرا. والسطر الصف من الشيء كالكتـاب والشـجر والنـخل وغيره.(...) والأصـل في الســــطر(الخـط والكـــتابة) (...) والأســـاطير الأباطـــــــــيل والأكاذيب (...) بمعنى أحاديث لا نظام لها (...) وسطر تسطيرا ألّف (...) يقال سطر فلان علينا يسطر إذا جاء بأحاديث تشبه الباطل . يقال هو يسطر ما لا أصل له أي يؤلف (...) و يقال سطر فلان على فلان إذا زخرف له الأقاويل ونمّقها وتلك الأقاويل هي الأساطير والسطر. (1)
ويقول المبرّد هي جمع أسطورة نحو أرجوحة وأراجيح ، وأثفية وأثافي ، وأحدوثة وأحاديث ، قال تعالى: { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين}(2) ، أي كل شيء كتبوه كذبا فيما زعموا .
وعرّفها الزجّاج بقوله : الأساطير الأباطيل ، والأساطير أحاديث لا نظام لها واحدتها
إسطار و إسطارة ، وسطر:ألف ، وسطر علينا : أتانا بالأساطير. وقال الجوهري الأساطير: الأباطيل
والترّهات . (3)
ويقول الطبري إنّ الأساطير جمع أسطارة وأسطورة مثل أفكوهة وأضحوكة و جائز أن يكون الواحد أسطارا مثل أبيات و أبايت وأقوال وأقاويل من قوله تعالى{ وكتاب مسطور} (4) من سطر سطرا . (5)
وترد الأسطورة في المعاجم والموسوعات الغربية بمصطلحين اثنين هما : الأسطورة Mythe وميثولوجيا Mythologie .

1- أنظر: ابن منظور . لسان العرب المحيط.إعداد وتصنيف يوسف الخياط .دار لسان العرب.(مادة سطر).ص142
2 - القرآن الكريم :
3 - محمد التونجي : الآداب المقارنة. دار الجيل. ط1. 1995. بيروت. ص37
4 – القرآن الكريم : سورة الطور. الآية (2) . ص523
5 - الطبري: تفسير الطبري ج11 . القاهرة. ص308. نقلا عن الدكتور حسين نجيب المصري . الأسطورة بين العرب والفرس والترك - دراسة مقارنة - الدار الثقافية للنشر .ط1 . 2000 .القاهرة. ص60
والمصطلح الأول مشتق من الكلمة الإغريقية Mythos أو الكلمة اللاتينية Muthus وتعني عند القدماء حكاية شعبية أو خرافية أنتجها الإنسان وتداولها قصد وضع لما يعانيه من تساؤلات ، و استفهامات داخلية ، متراكمة ، في صراع دائم مع الظواهر الكونية الطبيعية .
أمّا المصطلح الثاني فهو مشتق من الكلمة الإغريقية Mutyologia أومن الكلمة اللاتينية Mythologie بمعنى مجمل الأساطير الفرعونية أو البابلية أو أساطير القرون الوسطى أو مجمل الأساطير عن موضوع من الموضوعات مثل أساطير الموت والبعث... الخ ، وترد أيضا بمعنى علم الأساطير ودراستها. (1)
هذا باختصار وجيز واقتضاب شديد التعريفات المعجمية العربية والغربية ـ الّتي تطرقت لمفهوم الأسطورة ، حيث اتضحت لنا جملة من الخصائص، والمميزات الّتي ترسم وتشكل الأسطورة، والمتمثلة في الثبات والنظام ، والاستمرارية وارتباطها بعجائب الأمور وخوارقها من جهة أخرى .

1 - أنظر:نظيرة الكنز.في الأسطورة والأسطورة الأنثوية. ـ مقاربة نظرية في الماهية والحدود ـ.مجلة التواصل الأدبي.ع1 .جوان2007.الجزائر.ص28
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:21 pm

ب/التحديد الإصطلاحي:
يرى البعض أنّ الأسطورة محاولة لتفسير الطبيعة والمحيط الذي يحيط بالإنسان البدائي،خاصة أنّه يقف عاجزا لجهله وعدم وعيه لحقيقة الظاهرة الطبيعية،والقوى الغيبية،وفي هذا الصدد تعريف بلوتارك إنّ من يعرف الأساطير يعرف كل شيء.
ومن الذين إعتبروا الأسطورة عبارة عن حكاية أو قصة تتعلق بالآلهة وأنصاف الآلهة،والشخصيات
البطولية ذات الصفات الخارقة للعادة الباحث " Borne " وذلك من خلال قوله : « الأسطورة في معناها العام القصة لكن هذه القصة ارتبطت بالآلهة وأنصاف الآلهة والأبطال وتعود بدايتها إلى الزمن الإبتدائي ، زمن سابق للزمن،إذ تلتقي في كل الثقافات لتعلن عن وضع خيالي، وربّما ساذج... قصة مصر القديمة الّتي تروي أنّ الكون نشأ من دمعة إله .» (2)
وهناك تعريف أكثر نضجا وأقرب إلى حقيقة الأسطورة من التعريفين السابقين :« الأسطورة قصة تحكمها مبادئ السرد القصصي من حبكة وعقدة وشخصيات ،محافظة على ثباتها مند فترة طويلة تتناقلها الأجيال زيادة على الطابع الجماعي الذي تتمتع به أو ما يعرف بالخيال المشترك للجماعة، كما تلعب الآلهة وأنصاف الآلهة الأدوار الرئيسية فيها بحيث تجري أحداثها في زمن مقدس غير الزمن الحالي، تتمتع فيه بسلطة عظيمة وقدسية على عقول الناس ونفوسهم، وهذا ما جعل بعض الباحثين يعرفونها بأنّها قصة الأعمال الّتي يقوم بها أحد الآلهة في العقائد القديمة أو إحدى الخوارق الطبيعية .»(3)
وفي هذا التعريف للأسطورة كل الدلالة على أنّها من كلام أو من أوهام العوام،فهي ظاهرة جمعية يخلقها الخيال المشترك للجماعة وعواطفها، وتأملاتها للأشياء من حولها ومنحها التفسيرات والتبريرات المناسبة، ممّا أضفى عليها طابع القداسة ، فضلا عن كونها متوارثة يتلقاها الخلف عن السلف .
أمّا أحمد كمال زكي فإنّه يذهب إلى أنّ الأسطورة علم وأصل لكل المعارف القديمة ، ولهذا فالأسطورة ترتبط بفكر الإنسان البدائي ورؤاه هي : « علم قديم بل إنّه أقدم مصدر لجميع المعارف الإنسانية، ومن هنا ترتبط كلمة الأسطورة دائما ببدائية الناس، وبداية البشر قبل أن يمارسوا السحر كضرب من ضروب العلم أو المعرفة . »(4)
(2)borne etiene :de probleme du malـinititionـ(1)plulosrpliquepressesـ1versitaires de France cotlection dirigee par jean de la croisc.3ene ed .1963.p 38
(3)سليمان مظهر:أساطيرمن الغرب.مطابع الشعب.دط.1959.القاهرة.ص03
(4)أحمد كمال زكي :الأساطير.دارالعودة.ط2. 1975 .بيروت.ص44
ويبدو أنّ التعريفات السابقة لا تعطي تعريفا تاما ومفضلا لمعنى الأسطورة ، وعليه ارتأينا أن ندرج تعريفا أكثر اقترابا وتفصيلا لمعنى الأسطورة ، وهو تعريف الباحث مرسيا إياذ : « الأسطورة تروي تاريخا مقدسا تروي حدثا جرى في الزمن البدائي ، الزمن الخيالي هو زمن البدايات ، بعبارة أخرى،تحكي لنا الأسطورة كيف جاءت حقيقة ما إلى الوجود ، بفضل مآثر إجترحتها الكائنات العليا ، لا فرق بين أن تكون هذه الحقيقة كلية كالكون مثلا أو جزئية كأن تكون جزيرة أو نوعا من نبات أو مسلكا يسلكه الإنسان أو مؤسسة ، إذن هي دائما سرد لحكاية خلق .» (1)
إنّ الأسطورة من هذا المنطلق الإنساني حكاية تقليدية مقدسة،ومجهولة المؤلف ، تفسر أصول الظواهر الإنسانية والطبيعية ، وتقنن من خلالها ثقافة معينة أعرافها الإجتماعية ، بمعنى آخر إنها تبحث عن حقيقة الوجود الإنساني في العالمين المادي الفعلي من ناحية والغيبي ما ورائي من ناحية أخرى .
ويؤكد فراس السواح أنّ الأسطورة حكاية مقدسة لها صلة بحياة الإنسانية والمحيط والوجود « حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يستقى من معان ذات صلة بالكون والوجود والحياة وحياة الإنسان.»(2)
لقد أظهر انتقال المصطلح الأسطوري إلى المقارنين تباينا واختلافا في مفهومه وماهيته فعند " بول فان تيغم" « الأساطير: هي الأحداث أو مجموعات الأحداث الّتي لها كممثلين بعض الأبطال الخوارق الأسطوريين أو التاريخيين ، إنّهم أبطال يقدمون نماذج فريدة من الإنسانية،ومع ذلك فبإمكان كل كاتب عندما يتناولهم بالبحث أن يطوّر ويحور إلى حدّ ما » . (3)
يؤكد تعريفه ارتباط الفعل الأسطوري بما هو خارق ونموذجي ، ويضيف في الوقت نفسه إلى الشخصيات الأسطورية الشخصيات التاريخية ؛ لأنّ أعمالهم أضفت عليها المخيلة البشرية ملامح أسطورية ، ومن هذا المنطلق عدّت أسطورية ، وأصبحت منبعا خصبا يمكن أن يستلهمها الكاتب ويحوّرها باعتبار الحركية الفكرية والتاريخية .
ويرى الكثير من علماء النفس مثل " فرويد " و" يونغ " وأتباعهما أنّ الأسطورة صورة تجسد رغبات الفرد أو الجماعة ، كما تفسّر الحياة الشعورية واللاّشعورية للفرد والجماعة ، وهناك من النفسانيين من حاول الربط بين الأسطورة والأحلام ، حيث يرى "يونغ"أنّ الأساطير مثلها مثل أحلام اليقظة ، كرسائل دائمة من اللاوعي تكشف عن حاجات ورغبات ومشاكل إنسانية مستديمة داخل السياق العريض لمراحل
نمو ونضج النفس . (4)

1 - مرسيا إياذ : مظاهر الأسطورة . ترجمة نهاد الخياط . دار كنعان للدراسات والنشر . ط1. 1991. دمشق . ص10
2 - فراس السواح:الأسطورة والمعنى.دراسات في الميثولوجيا والديانات المشرقية.منشورات دارعلاء الذين.ط2. 2001.دمشق.ص14
3 - تيغم(بول فان):الأدب المقارن.تعريب سامي مصباح الحسامي.منشورات المكتبة العصرية. بيروت.ص80
4 - أنظر:قنشت ب. ليش:النقد الأدبي الأمريكي من الثلاثينيات إلى الأربعينيات.ترجمة محمد يحي.مراجعة وتقديم ماهر شفيق فريد.المجلس الأعلى للثقافة.دط.2000 .ص136
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:23 pm

ومن هذا المنطلق ، يذهب علماء النّفس إلى أنّ الأساطير هي في واقع الحال مرآة لنفسية الشّعب وصورة لطفولة البشر.
ويؤكد علماء الإجتماع من جهة أخرى أنّ الأسطورة محاولة لشرح النظم الإجتماعية ، وهي عامل جوهري يسهم في تحقيق الإنسجام الإجتماعي داخل الجماعة الواحدة ، كما تساعد في سنّ وتشريع القواعد والقوانين الإجتماعية المنظمة لحياة الفرد والجماعة .
وهكذا نصل إلى ملحوظة هامة مفادها أنّ ماهية الأسطورة كانت محطّ اهتمام الباحثين على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم من نفسانيين واجتماعيين وأنثروبولوجيين وأثنوغرافيين ... ومن هذا المنطلق تعددت تعار يف الأسطورة حسب الحقول المعرفية السالفة الذكر، والمنطلقات المنهجية المميّزة لكل حقل معرفي .
لتبقى الأسطورة في الأخير مصطلح عام وشامل لتصوّرات الإنسان البدائي تتّسم بخصائص تميّزها عن غيرها من الظواهر التي تشترك معها في الموضوع أوفي الأدوات الفنية .
وقد قامت الأسطورة بدور المنبع والنموذج المؤثر في الأدب ، وثقافيا لعبت دور النموذج المحاكي في علاقته بالأدب . والحامل للمعرفة من جهة ، والداعم لليقين الروحي الإجتماعي من جهة ثانية .
كما ارتبط ميلاد الأسطورة بتكون المجتمعات الإنسانية قديما،وهو ما يعرف على الصعيد الحضاري بالطور"البدائي" ولكنّها راحت تخترق آفاق الأدوار الحضارية المتعاقبة ، ويكفي دليلا على ذلك أنّها مازالت تحظى بالإهتمام في عالمنا المعاصر،بالرّغم من التطوّر العلمي المذهل الذي جعل "ماروزو"يجزم بأنّ عقلية الشعوب المعاصرة ليست عقلية أسطورية ولا ملحمية .
وهناك أيضا من يرجع عدم موت الأسطورة إلى العصر الحديث هو الثنائية الحادة الّتي تعيشها الإنسانية (البداوة/الحضارة)فهو بدائي وحضاري في آن معا .
ولابدّ من الإشارة منذ البدء إلى أنّ الأسطورة ربّما هي جزء من الشعر ذاته لاسيما إذا ما رجّحنا المقولة القديمة الّتي تذهب إلى أنّ الإنسان ما نطق إلاّ شعرا في طفولته الأولى . ذلك أنّ الإنسان الشاعر كان بعيدا عن الواقع من خلال شعره ، بيد أنّه كان - في الوقت نفسه - يتوسّل بالشعر لمقاربة هذا الواقع رغم طغيان الجانب الخيالي والمثالي في تلك المقاربة . (1)
(1) بوجمعة بوبعيو: المرجع السابق . ص34
ويؤكد هذا الطرح على أنّ الفكر الأسطوري ملك مشاع لكل البشرية،إذ لم يقتصر على ثقافة دون أخرى ولا حضارة دون سواها ، إلاّ أنّ المعرفة بالتراث الأسطوري هي الفيصل بين ذيوع أساطير معينة وانتشارها دون أخرى بفضل المعارف الّتي تناولت الأسطورة أو المجالات الّتي تجلى فيها الفكر الأسطوري كالأدب والفنون . (1)
وقد نشأ من هذا الإرتباط بين الأسطورة والأدب مصطلح غزا السّاحة النّقدّية ، وأثار اهتمام المبدعين النّقاد على حدّ سواء ، وهو ما يعرف بالأسطورة الأدبيّة .
أمّا "ترو سون" فيرفض الخوض في الفصل بين الأسطورة والأسطورة الأدبيّة ؛ لأنّ الأساطير لم تصلنا إلاّ في حمولات أدبيّة ، أي أنّنا لم نتعرّف على الشّكل الأوّلي للأسطورة ، بل أدركناها متفتّحة داخل أجناس أدبيّة وحاملة لخصائص تلك الأجناس : فنحن عندما نقرأ "اسخيل" أو "أوفيد" أو "فرجيل" ، لسنا أمام أساطير، بل نحن أمام أدب فيه أساطير. (2)
وفيما نقف الآن ، على هذا المرفأ الرّمزيّ ، مرفأ الذّاكرة المنقوشة بخطّ الهاجس الأسطوريّ ، يحسن بنا أن ننطلق من فعل الكتابة في بعض أسرارها ومحطّاتها ، لنحلّل الوشائج المتينة الّتي تربط الشعر بالأسطورة . فالتجربة علّمتنا أنّ الكتابات لا تخلو من أفكار خصبة وخلاّقة تشتعل في الذّهن على شكل حدوس (3) وإلهامات هي الّتي تقف وراء المنتجات والمشاريع الثّقافية ، الأمر الذي يتيح القول بأنّ العمل الفكريّ هو ثمرة النّشاط العقليّ والجهد النّظريّ بقدر ما هو ثمرة إنبثاقات حيّة ووجوديّة .
والخيال أوالمخيال كما يسمّيه بعضهم ، هو صانع الأسطورة أو الفكر الأسطوري ، حيث ترى "سوزان لانجر" أنّ « الأسطورة والخرافة وحكايات الجان ليست أدبا في ذاتها ، وليست فنا على الإطلاق ، بل هي أضغاث ، وهي في حدّ ذاتها مادة خام للفن .» (4)
كما كتب "إرنست كاسيرر" في كتابه "مقال في الإنسان" « وهنا شكل آخر من الخيال يتّصل بالشّعر اتصالا وثيقا فيما يبدو،ذلك هوا لأسطورة ».(5)

1- عبد الحليم منصوري:من عولمة الأسطورة إلى أسطورة العولمة.مجلة التواصل الأدبي.ع1 .جوان 2007 .عنابة.ص13
2 - مرجع نفسه.ص14
3 – جمع : حدس.
4 - بروكس كلينث: الأسطورة والنموذج البدئي. ضمن كتاب (النذقد الأدبي الحديث بين الأسطورة والعلم) .ترجمة محي الذين صبحي.الدار العربية للكتاب.دط.1988 .طرابلس.ص102. نقلا عن: د.رمضان الصباغ.في نقد الشّعر العربي المعاصرـ دراسة جمالية ـ .ص347
5 - كاسيرر إرنست:مدخل إلى فلسفة الحضارةـ مقال في الإنسان ـ ترجمة إحسان عباس.مراجعة محمد يوسف نجم.دار الأندلس مؤسسة فرنكلين.دط.1961 بيروت نيويورك .ص265 /266


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:27 pm

فالخيال والتّخيّل هو قدرة الفكر على استحضار الصور بعد غياب الأشياء الّتي أحدثتها ، أو تركيب الصّور تركيبا حرا ، ممّا يجعلنا نميّز بين نوعين من التّخيّل : التّخيّل التمثيلي ، الذي له علاقة مباشرة بالإدراك الحسّي والذي يقتصر على استعادة صور الأشياء بعد انطباعها في الذّهن وبعد غياب هذه الأشياء الّتي أثارتها وهذا النوع من التّخيّل هو في الواقع التّخيّل المبدع الذي ينشىء تركيبات جديدة مهما إعتمدت على صور حسّيّة مستمدة من الواقع ، هو الذي يضفي عليه صفة الإبداع .
ومهما كان للعواطف دخل في عملية الإبداع ، فإنّ الإختراع يبقى دائما عملا فكريا لا سيما في مستوياته العليا،إذ التّخيّل عندئذ يعتمد على الذكاء الذي هو القدرة على اكتشاف العلاقات بين الأشياء.وقد رأى البعض في التّخيّل قوّة مناهضة للعقل ، فقابل بين خصب التّخيّل وجفاف العقل الرّتيب.
وعلى أية حال فنحن الآن أمام إبداعان ونتاجان ممّا أفرزته قريحة البشريّة،وهما الشّعر والأسطورة ، فيا ترى ما العلاقة بينهما ؟
يبدو أنّ مسألة علاقة الأسطورة بالشعر علاقة ترابطيّة تكاد لا تنفصم أواصرها ، كما يقول الأستاذ بوبعيو، لسبب بسيط يكمن في أنّ الشّعر يمثل نقل التّجربة الإنسانية إلى الواقع ، والأسطورة هي التّجربة ـ في حذّ ذاتها ـ منذ أن أصبح هذا الإنسان يعي الأشياء من حوله ، ويعبّرعن مكنوناتها في ضوء ما ألهمه اللّه من فطرة ونباهة وفكر، وبذلك وجد الشّعر ضالته في الأسطورة ، كما وجدت ـ في الوقت نفسه ـ الأسطورة ضالتها في الشّعر،فكلاهما خدم الآخر بطريقة عفويّة . (1)
وإذا لاحظنا تلك العودة القويّة الّتي سجّلها الشعر العربي الحديث إبداعا،وتبعه في ذلك ، ورسم على خطاه النّقد العربّي الحديث فذلك ناتج عن فهم هؤلاء الشّعراء والنّقاد لقيمة الأسطورة في ذاكرة الأمم والشعوب وما تختزنه في طيّاتها من تجارب إنسانية عميقة « ... ومن تمّ فإنّ العودة إلى استخدام الأسطورة في الشّعر عودة حقيقية إلى المنابع البكر للتّجربة الإنسانيّة ، ومحاولة التّعبير عن الإنسان بوسائل عذراء لم يمتهنها الإستعمال اليومّي» . (2)
وفي الطرف الآخر نجد " ريتشارد تشيز" يطابق بين الشّعر والأسطورة بشكل نهائي . ويرى أنّ الشّعر والأسطورة ينشأن من الحاجات الإنسانية نفسها ويمثلان نوعا واحدا من البنية الرمزية . وينجحان في أن يخلعا على التّجربة نوعا واحدا من الرّهبة والدهشة السّحريّة،وينجزان الوظيفة التطهيرية ذاتها . (3)

(1)بوجمعة بوبعيو:حضور الرؤيا واختفاء المتن.ص35 .
(3)بروكس كلينث:الأسطورة والنمودج البدئي.ص106 .نقلا عن: د رمضان الصباغ .في نقد الشّعر العربي المعاصردراسة جمالية.ص348 .
(2)أنس داود:الأسطورة في الشّعرالعربي المعاصر.ص11.نقلاعن بوجمعة بوبعيو. حضور الرؤيا واختفاء المتن.ص36 .
وبالمقابل فإنّ هناك من فرّق بين الأسطورة والشعر على غرار" هوبرت ريد " الذي رأى أنّ اختلاف الأسطورة عن الشّعر يكمن في : « أنّ الأسطورة تحيى بالمجاز، إلاّ أنّ الشّعر يحيا بفضل لغته » . (4)
ورغم هذا وذاك يبقى الخلاف حول علاقة الشّعر بالأسطورة خاصة والأدب عامة خلافا لا زال مستمرا وقائما إلى يومنا هذا .













































































(4)أثفينك.ك : الأسطورة.ترجمة جعفر صادق الخليلي.منشورات عويدان.ط1.بيروت ـ باريس. ص93 .نقلاعن:د.رمضان الصباغ. في نقد الشّعر العربي المعاصرـ دراسة جمالية ـ.ص348 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:29 pm

بدايات التوظيف الأسطوري في الشّعر العربي
الشّعر تعبير جميل عن الحياة ، وجود ، هو ذلك الإحساس المرهف الصادق ، وتلك المشاعر المتدفقة في لأشكال مختلفة ، تجعل من الشيء البسيط شيئا عظيما ، يخلد على طول المدى ، فالفن لا يقاس بالزمان ولا بالمكان ، فهو مستمر وشامل ، ويقاس بمدى جماله وتعبيره ، واختراقه للزمان والمكان فيسير في فضاء اللامتناهي ، وزمن سرمدي .
والشّعر فن اتخذه الإنسان منذ القديم لكي يعبّر به عن نفسه وعن مشاعره ، وهو شكل تعبيري يرسم حياة الإنسان بكل جوانبها المختلفة وهو ظاهرة إنسانية ونشاط جمالي يحمل رسالة إنسانية تحمل بين طيّاتها الدعوة إلى إقامة السلام والحب والأمل بين النّاس عن طريق الكلمة الصادقة والمعبّرة .
ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه من أين كانت بدايات التوظيف الأسطوري في الشّعر العربي ؟ وما هي الدوافع الكامنة وراء هذا التوظيف المبالغ فيه ؟
إنّ هذا كثيرا ما راود الدارسين والمفكرين في الوطن العربي على حد سواء ، وحتّى نحن وقعنا في نهر هذا التساؤل الذي استسلمنا له بادئ ذا بدء ، لكننا في الأخير رأينا أنّه لا بأس من المحاولة في السباحة نحو الإجابة عن هذا السؤال الضيّق في شكله الواسع في معناه .
من هنا آثرنا الإنطلاق من العهد القديم متلمسين أثر الأساطير الجاهلية عند العرب بعد الإسلام حتّى نصل إلى عصرنا الحالي ـ المعاصر ـ وبذلك نكون قد لامسنا ولو قليلا بدايات التوظيف الأسطوري في الشّعر العربي على امتداد تاريخ العرب وتطور حياتهم،بعد إذ أصبحت أحوالهم بعد الإسلام خلاف أحوالهم قبل ذلك .
لقد ظلّ الأدب العربي تراثا هاما ومنبعا خصبا للعرب بعد الإسلام يصوّر ما كانت تحمله البيئة العربية من أوضاع وأحداث ونزاعات روحية عقائدية ، ويعبّرعن الحياة بكلّ همومها وتطلعاتها،سلبياتها وإيجابياتها (1) ... وظلّ على هذه الحال طوال فترة طويلة من الزمن ، حتّى لحقت به مظاهر لتطور شيئا بعد شيء ، غير أنّ هذا التطوّر لم يكن من عدم إنمّا كان مترتبا على تطوّر الحياة تطورا نحو الحضارة و لإزدهار، هذا هو المتوقع مادام الأدب في واقع الحال مرآة لحياة الشعوب و نفسياتها .
غير أنّ هذا التطوّر الحاصل في الأدب العربي عامة والشّعر خاصة لم يدفع الشاعر العربي إلى التنكر لأدبه القديم وإن جددوا فحد التجديد أنّه قتل القديم فهما ، وذلك تماشيا مع ظروف الإنسان العربي في العصر المعاصر.

1 - أنظر: حسين مجيب المصري.الأسطورة بين العرب والفرس والترك.ص113 .
وكل ما يعنينا في هذا المبحث هو ورود ذكر وتوظيف الأساطير العربية القديمة في شعرنا العربي بعد الإسلام مرورا بالعصر الحديث وصولا إلى عصرنا الحالي المعاصر.
إنّ أوّل ما نستجمعه في هذا الصدد هو أنّ العرب بعد الإسلام كانوا يعتقدون أن الجن يخاطبون الإنس ، وهذا من الدليل على أنّ أساطير الجن ظلّت ماثلة في أدهان العرب فكان حديثهم عنهم ـ الجن ـ كلاما لا موضع فيه للتجريح وليس حديث خرافة ، ومن الدليل على هذا ما قيل من أنّ الشاعر الأموي ذا الرّمة حين قال:
أيا ظبية الوعثاء بين جلاجل
وبين النقا هل أنت أم سالم
فعيناك عيناها وجيدك جيدها
ولونك لولا حمشة في القوائم
أجابه جنّي من حيث لا يشاهده قائلا :
أأنت الذي شبّهت ظبية قفرة
لها ذنب فوقها . أم سالم
وقرنان إمّا يعلّقانك يتركا
بجنبيك يا غيلان مثل المياسم (1)
فكأنّ الجنّي كان يسمع إنشاد ذا الرّمة فيرد عليه مخاطبا بأبيات فيها ما فيها من التجريح والإنتقاد .
كما روى الجاحظ أبيات فيها ذكر للجن منها:
فقلت : إلى الطعام . فقال منهم
زعيم : نحسد الإنس الطعام
لقد فضلتم بالأكل فينــــــــا
ولكن ذاك يعفيكم سقامـــا
أمط عنا لطعام فإنّ فيــــــه
لآكله النفاخة و السقامــــا (2)

1 - المرجع السابق .ص53 .
2- المرجع نفسه . ص 55 .
فالجاحظ هنا يقول : أنّ الجنّ قدمت عليه وقد أوقد للطعام نارا فدعاهم إلى الأكل معه ، إلاّ أنّهم لم يقبلوا دعوته ، على أنّ الجنّ يحسدون الإنس في الأكل ، وظاهر قول الشاعر لقد فضلتم بالأكل فينا ، أنّ الجنّ لا يأكلون ولا يشربون .
وقال ابن خروف في شرح هذه الأبيات إنّ هذا مخالف للشرع لأنّ النبي صلى اللّه عليه وسلّم قال إنّ الجنّ تأكل وتشرب . (2)
وكانت هذه الأسطورة أو ما يشبهها في الإشارة إلى أنّ الجنّ تأكل ، فقيل إنّ العلماء يختلفون في ذلك على أقوال ثلاثة ، أحدها أنّ جميع الجن لا يأكلون ولا يشربون ونهم مالا يأكل ولا يشرب . أمّا القول الثالث فيستمد منهم أنّهم جميعا يأكلون ويشربون ، وقول بعضهم إنّ أكلهم وشربهم تشمم استرواح لا مضغ وبلع وهذا ماليس له من دليل . (3)
وهذا ما يبيّن تضارب الأقوال في طبيعة هذه الطائفة من المخلوقات الأسطوريّة وكيف وضّفها وتصوّرها كل حسب خياله وإبداعه ممّا يدّل على أنّ الجن كانوا عنصرا له أهميته الخاصة عند العرب في تشكيل الأسطورة وإسقاطها على أشعارهم على أنّهم ـ الجن ـ نوع من المخلوقات العجيبة تستوطن واد عبقر، وتقع على أشكال مختلفة فتارة تظهر في صورة حيوان كالحيّة والقنفذ مثلا ، وتارة أخرى تظهر على أنّها لهيب من النّار... وهذا كلّه من الدليل على أنّ الجن في اتصالهم بالإنس كانوا أحد سمات الشّعر العربي بحيث وظفت تلك المخلوقات العجيبة آن ذاك توظيفا صريحا متعددا .
وتبقى الإشارة إلى أنّ وجود الجن أمر لاريب فيه لأن ذكرهم وارد في القرآن الكريم أكثر من مرة ، ولكنّنا نحكم بأسطوريتهم لا في حقيقة وجودهم ، بل فيما ينعقد بينهم وبين النّاس من صلات وعقائد ، وما يروى من قصصهم معهم .
وهكذا وبعد بحثنا في مرحلة ما بعد الإسلام عن توظيف الشعراء العرب للأساطير القديمة ، نصل الآن إلى العصر الحديث ، وننظر مثلا في شعر شوقي حيث نجده يمزج في إحدى قصائده ـ الطيّارون الفرنسيون ـ بين أسطورة علاء الذين من ناحية وأسطورة الجن من ناحية أخرى يقول :
















1 – الألوسي : بلوغ الإرب.ص350 .ج2 .1924 .القاهرة .نقلا عن: د حسين مجيب المصري. الأسطورة بين العرب والفرس والترك.ص. 41

2 - المرجع نفسه . ص41 .

3 - المرجع نفسه . ص57 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:31 pm

قم (سليمان) بساط الريح قاما
ملك القوم من الجوز ماما
(عين شمس) قام فيها مارد
من عفاريتك يدعى (التهاما)
يملأ الجوّ عزيفا كلّما
ضرب الرّيح بسوط و الغماما (4)
فشوقي يشبه الطائرة ببساط الّريح في إشارة ضمنية منه إلى بساط علاء الدين،في حين كان راكب هذا البساط عفريت يدعى لتهاما ، يملأ الجوَّ عزيفا ، وينسب إليه من الخوارق أنّه يضرب الرّيح والغمام بالسّوط . فهو يورد ما يقال عن الجن من أنّهم يقومون بعمل فوق طاقة البشر.ولم يجد شوقي مشبها أفضل منهم ـ بساط الرّيح والجن ـ حين أراد أن يعرب عن فرط إعجابه بالطيّارين الفرنسيين وتعجبه منهم .
ومن الذين اهتموا بتوظيف الأسطورة في شعرنا العربي الحديث إضافة إلى شوقي نجد عباس محمود العقاد،وذلك عن طريق الترجمة خاصة مثلما نجد في قصيدته ـ فينوس على جثة أدونيس ـ الّتي ترجمها عن شكسبير يقول ، وممّا جاء في تلك الترجمة (1)
رأت شفتيه و البكى يستجيشها فما راعها إلاّ اصفرار عليهما
وجسّت يدا كانت نطاقا لخضرها فلا رمقا فيها تحسّ ولا دما
ومالت على أدنيه حتّى كأنّه ليسمع منها شجوها والتندُّما
وتفتح جفنيه لتبصر فيهما سراجين كانا يسطعان فأظلما
سراجين كانا يجلوان لعينها جمال محياها فواراهما العمى
وكان لوجه الحسن أجمل مبصر فقد فجع الموت المحاسن فيهما
فقالت برغمي انك اليوم ميّت وأنّ الضحى لمّا يزل متبسّما (2)
ويبقى التوظيف الأسطوري عند هادين الشاعرين ـ شوقي والعقاد ـ خال من كل توظيف فنّي وتوهج شعري ، ليقتصر توظيفهم الأسطوري بوجه عام على السرد القصصي أو الترجمة والتشبيه أو نقلا للأسطورة في الغالب .

1 - أنظر:يوسف حلاوي.الأسطورة في الشّعر العربي المعاصر.دار الآداب.ط1 .1994 .ص30 .
2 - المرجع نفسه.ص30 .
ونتخطى قرونا خلت وسنوات تعاقبت لنبلغ عصرنا الحالي ـ المعاصر ـ حيث كان التوظيف الأسطوري حاضرا بقوة عند شعراء هذا العصر، نظرا لما كان لهم من مفاهيم متطوّرة للشّعر عموما ووعيا عميقا لدور الأسطورة في الشّعر خصوصا .
يتناول " صلاح عبد الصابور " هذا الموضوع فيقول : « من القضايا النقدية الّتي طرحها الشّعر الحديث ، قضية استعمال الأسطورة كعنصر شعري ، وقد رأينا منها مستويات مختلفة في تراثنا الشّعري الحديث . واستطعنا أن نقبل بعضا منها حين وجدناه عنصرا فنيا مندمجا في كيان القصيدة ، يؤازر عناصر القصيدة الأخرى في جلاء صورها ، وحمل إيحاءاتها ، ولكنّنا أيضا لم نستطع أن نقبل كثيرا من صور استعمال الأسطورة حين وجدناها لصيقة بالقصيدة ، منفصلة عنها بغضّ النظر عن ذلك الرباط الواهي من التتابع الشكلي ».(1)
والجدير بالذكر هنا هو أنّ العديد من القصائد كانت معبأة برؤى معاصرة لظروف الإنسان العربي وطبيعته ، وهو ما يجعلنا نصنّف هذا النوع من القصائد في خانة الإخفاق ، ذلك لأنّ التوظيف الرؤيوي المعاصر لا بدّ أن يكون « في ارتباط عضوي مع نسيج القصيدة وليس مجرد عنصر خارجي مصطنع ومفروض عليها » . (2)
ومن أبرز الشعراء الذين أجادوا في كثير من الأحيان توظيف الأسطورة توظيفا فنّيا نجد " بدر شاكر السيّاب " في قصيدته ( سربروس في بابل) يقول في مطلعها :
ليعو سربروس في الدروب
في بابل الحزينة المهدّمة
ويملأ الفضاء زمزمه ،
يمزّق الصّغار بالنيوب ، يقضم العظام
ويشرب القلوب .
عيناه ينز كان في الظلام
وشدقه الرهيب موجتان من مدى

1 - صلاح عبد الصبور: حياتي في الشّعر. دار اقرأ.1989 . بيروت. ص137 .نقلا عن: د. يوسف حلاوي.الأسطورة في الشّعر العربي المعاصر .ص31 .
2 - المرجع نفسه ص31 .
تخبئ الردى .
أشداقه الرهيبة الثلاثة اختراق
يؤجّ في العراق . (1)
سربروس هو الكلب الحارس لمملكة الموت في أساطير الإغريق وقد رمز به إلى عبد الكريم قاسم،وحكمه في العراق الّتي رمز لها ببابل في السّطر الثاني .
وعليه غذّت الأسطورة الشّعر العربي الحديث والمعاصر وأخرجته من ربقة التّعبير المجازي إلى مصاف الإبداع والخلق .
من هنا وبعد ولوجنا عالم التوظيف الأسطوري ـ بداياته ـ في الشّعر العربي نصل إلى أنّ هذا الأخير قديما تعامل مع توظيفه للأسطورة بناءا على ميولات ومعتقدات كانت ترسم تعاليم الحياة آنذاك حيث « إنّ الحقائق التاريخية كانت تتخذ طابعا أسطوريا غدّاه الخيال البدائي بعجائب الأمور وغرائبها عن طريق المبالغة والتهويل حينا ، وعن طريق التخيّيل والتهويم حينا آخر» . (2) ، في حين كان تعامل الشاعر الحداثي المعاصر مع الأسطورة تعاملا غذّاه الواقع المرير الذي أضحى يعيشه العالم العربي من تخلف وانحطاط وانكسار على كافة المستويات وما صاحبهما من ذل وهوان جعلا الفرد العربي يعيش ويحيا في صورة العبيد أو بالأحرى في صورة الحيّ الميّت .
وتجدر الإشارة إلى أنّ درجة الوعي الفنّي في التوظيف الأسطوري قد ولّدت الهوة بين شعراء المرحلة الأولى ـ ما بعد الإسلام ـ وشعراء المرحلة الثانية والثالثة ـ الحداثية والمعاصرة ـ حيث افتقرت المرحلة الأولى إلى النضج الفنّي حيث كان توظيفها توظيفا عفويا تلقائيا لايخضع لمنهجية محدّدة ، على عكس شعراء المرحلة الثانية والثالثة الّتي اكتسبت مستوى رفيع في التوظيف الفنّي للأسطورة على الرغم من التفاوت في المستويات فيما بينهم ـ الحداثيين والمعاصرين ـ ويتناول " خليل حاوي " هذا التفاوت فيقول : « وبعضهم فاته الإستخدام الصحيح للأسطورة فكان أن وردت في شعره حكاية مطوّلة تفتقر في بعض أجزائها للتوهج الشّعري كما كانت عادة تنتهي إلى عبرة أخلاقية خارجة عن طبيعة الشّعر» . (3)







1 - المرجع نفسه.ص40 .

2 - منذور محمد:الأدب وفنونه .ص43 .نقلا عن: د غازي يموت.الفن الأدبي أجناسه وأنواعه.دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع.ط1 .1990 .ص99 .

3 - مقابلة مع خليل حاوي: أجراها محي الدين صبحي.مجلة المعرفة.ع133 .آذار1973 .وزارة الثقافة والإرشاد القومي.جادة الروضة.دمشق ـ سوريا.ص16 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: ديوان كأني أرى للشاعر عبد القادر الحصني   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:35 pm

نماذج تطبيقية :
إنّ حضور الأسطوري وتعايشه السّلمي مع الواقعي لا يعني أبدا المعالجة الحرفية للواقع ، بل إنّ تمثل الأسطوري في كتابات " الحصني " هو نوع من التّعبير الذي يكسب الواقعي أبعادا تخييلية لا تقلل في جوهرها من قيمته إن لم نقل بأنّها تعمق ممّا هو واقعي .
ومن هنا تكمن أهمية استعمال وتوظيف الشاعر للأسطورة فهي لا ترمي إلى التسلية والترفيه بل ترمي { إلى معنى عميق ويقصد بها تفسير مظهر من مظاهر الوجود وهي الوسيلة الوحيدة الباقية لدى الإنسان حينما يعوزه التعبير الفعلي الواضح ، وما فيها من خوارق ومعجزات ، لا يقصد بها لذاته ، بل لتحقيق تلك الغاية } . (1)
لقد أصبح توظيف الأسطورة في الشّعر نوعا من التكنيك الفنّي الذي يراد به خلق نص جديد يوازي النّص الأسطوري الموظف الذي يمثّل كحقيقة مطلقة يتّم الرجوع إليها في لحظات الضعف والإنهيار ، وزوال القيم،إنّها الأسطورة عندما يتّم الرجوع إليها وكأنّها منحدرة من مكان لا وجود فيه لحقيقة الإنسان المرّة،إنّها الحقيقة الّتي يفجّرها شاعرنا ـ الحصني ـ في أسطورته السندبادية :
رأيت ولكنّي ما تذكّرت
نصف الحقيقة أنيّ رأيت
ونصف الحقيقة أنّي نسيت (2)
إنّ الفراغ الواقع في قلب الزّمن ، يسكن أيضا الإنسان فيسكن الزّمن أيضا ، لأنّ الإنسان لا يسعه أن يحيا خارج الزّمن . وتكاد حياة الإنسان العربيّ تكون خالية من الإبحار نحو المعاني الجميلة والمفيدة في عصرنا الحاضر، فكان زمنه زمن الدّوّامة ، أو زمن المتاهة ... هذا الواقع المر دفعه للبحث عن الحقيقة ولو في طيّات الذّكرى ، وإذا لم يجدها فهو يرضى ويقنع بنصف الحقيقة،المهمّ ، أن يشمّ رائحة الحقيقة ، ويتنسّم عبيرها ... وكم تكون خيبة هذا الإنسان العربيّ كبيرة ، عندما يكتشف أنّه نسي حتَّى نصف الحقيقة .
والشّاعر العربيّ باعتباره النّاطق الرّسمي باسم أنّات شعبه ، يبحث دائما عن ملاذ يكتشف من خلاله الحقيقة المنسّية في تاريخه وحاضره ، وكان من بين المغامرات الّتي ركن إليها عبد القادر الحصني مغامرة السّندباد البحريّ الّذي رحل وأبحرفي الآفاق ، نحو المجهول بحثا عن المعلوم ،عن الحقيقة .

1 - وردة معلم:الأسطورة والحرام في رواية عشب اللّيل.أعمال ملتقى الأدب والأسطورة.ع1 .جانفي 2007 .الجزائر.ص199.
2 - عبد القادر الحصني:الدّيوان.ص12
هكذا إذن تبدّت ملامح السندباد من خلال هذه القصيدة :
أنا لا أدافع عن قمر بعد سبع ليال ،
ولا عن وميض المنارة في ساحل البحر
تنبض كالقلب ،
حين تضيء وتعتم للسّفن القادمات ،
تغطّي لواعجها نصفها تحت سطح المياه ،
وتبدي مباهجها نصفها حين تظهر(1)
هذه،هي إذن أسطورة الفراغ ، والإبحار في الآفاق بحثا عن الحقيقة ، إنّها أسطورة الزّمن الدّوّار الذي يفتح شدقيه : اللّيل والنّهار، كأنّه وحش خرافيّ يبتلع كلّ من يجده قابعا وساكنا في مغارته الصّامتة المظلمة أو تتسكّع في شوارع الزّمن وطرقاته . لا شيء يمكنه أن يوقف حركة الزّمن غير الإنسان الواعي والرّابض بباب المنارة في ساحل البحر، حيث ينبض برسالته التّاريخيّة البانية لحضارته. لقد كان السّندباد مغامرا جوّابا ، لكنّ الإنسان العربيّ اليوم لم يهتدي بعد إلى إدراك قيمة العمل ، ولا يعرف طريقا إلى التشيّيد ، وهو بهذا لا يعرف معنى الزّمن ، ولا يدري كيف يستثمره لصالحه في صنع غد أفضل ومن ثمّة فهو جدير بأن يقع فريسة للزّمن يطحنه حتّى النّخاع . وعند ذلك فقط يمكنه أن يفطن من سباته العميق ، في صباح لا يملك معه إلاّ نصف الحقيقة ، وقد لا تكون:
صباح بنصف الحقيقة للقادمين :
تلوح أيديهم في هواء خفيف ، وهم يمرحون
غلايين ، تبغ عتيق ، وعطر، وشمبانيا ،
ودموع ، ومحترمون يصلّون ،
يبتسمون كثيرا ... ولا يضحكون (2)
من أين قدموا ؟ وإلى أين سيرحلون ؟ لمن تلوّح أيديهم ؟ ولم المرح ؟ وهل كانت الرّحلة تستلزم الغلايين ، والتبغ العتيق ، و العطر، والشمبانيا ... ثمّ لماذا بكاء المصلّين المحترمين ؟ ....
ذلك أنّ كلاّ من الرّحلة والبكاء يشكّل لحظة تجلّ واستبصار باستبطان ذوات الآخرين في حال الرّحلة ، أو قل باستبطان الذّات ، الواعية لوجودها في حال البكاء .

1 - المصدر السابق.ص12 .
2 - المصدر نفسه.ص13 .
وفي هذه اللّحظة تنشقّ الذات المفردة الصّلدة عن كينونة الآخر، تجده إلى جوارها وهو يعمل ويكدح فيتسع الوعي بالزّمان حينئذ ، وتنقشع عن النّفس غشاوة الأثرة والأنانية العمياء والإفراط في عشق الذّات ونحو ذلك من العصبيّات الرّعناء الّتي تفوّت على الإنسان فرصة أن يكون عاملا مفيدا للمجتمع ... لقد بدأ الشاعر بذكر المرح ، ثمّ راح يعلن دموع المصلّين المحترمين ، دليل على اليقظة بعد الغفلة ، والإنتباه بعد طول الزّمن والبعد عن الحقيقة ، وبعدما أعلن نصف الحقيقة ، هاهو يذهب بنا للإعلان عن النّصف الآخر للحقيقة :
ونصف الحقيقة أيضا لباخرة تتحطّم :
موج على خشب ، بين أمتعة ، في صراخ ،
وبحّارة يغرقون ، فلا يقرؤون ، ولا يكتبون ،
ولا هم إلى أهلهم يرجعون
وتوصف رحلتهم أنّها لا تعاد
ولكنّ نصف الحقيقة هذا له سندباد
رأى وتذكّر
وقرّب فنجان قهوته في الصّباح إلى شفتيه (1)
هكذا إذن يستحيل السّندباد مكتشف المجهول في رحلة الحياة إلى ثائر فدائيّ ، يرحل ويعود إلى الشطآن المحتلّة بعد كل( مغامرة ) لكي يهدي شعبه أعظم هديّة ؛ إنّها الحرّيّة ، حرّية الفرد وحرّية الوطن ، تلك الحرّية الّتي تبعث الأمل لتجديد كلّ ما مسّته يد الفناء والدمار الرهيبة .
لكنّ عبد القادر الحصني يتنكّر للسّندباد :
فألقى بقايا من اللّيل سوداء
من دون سكّر (2)
نعم،تنكّر له ، ونفى التّجاوب معه ، ويجعله نموذجا لكلّ قديم بال في حياتنا ، على الرّغم من عظم إنجازات السّندباد ، و مشاقه و تطوافه في الممالك الموحشة من أجل الحصول على السّعادة المفقودة فيعود إلى الدّيار بالكدّ لا بالأمل المنشود .











1 - المصدر السّابق.ص13 .

2 - المصدر نفسه .ص13 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:40 pm



تلك هي إذن ، أسطورة الإنسان العربيّ الحديث مع طاحونة الفراغ والألم الشّخصّي ، قوامها إدراك الزّمن بوصفه قسيمة محايدة ، يمكن أن يفيد منه الإنسان في بناء نفسه ومجتمعه إذا تعامل معه بالوعي ، ويمكن أن يمدّ من خلاله جسور المودّة بينه وبين الإنسان الكادح ؛ مشاركه بالجدّ والجهد في العالم أجمع ، ولا يفهم الإنسان إلاّ الإنسان .

وفي مقطع لاحق من قصيدة أخرى يطوّر الشّاعر رمزه هذا ، لصياغة واقع مضطرب أشدّ الإضطراب ، متناقض أبعد التناقض،خاو مرعب الخواء ، يهدم أركانه بنفسه دون شفقة وبلا أدنى إحساس بالفجيعة . وفي مثل هذه الدّوّامة الّتي لا يدري لها أول ولا آخر يكون كلام الصبية والمجانين وحتّى الجماد والطبيعة أقرب إلى تصوير الحقيقة من كلام العقلاء والحكماء،وميزة الشّعراء أنّهم يفهمون الجميع ويترجمون عن الكل دون خطر الوقوع في التناقض(1) ، حيث يقود هذا الملمح الفنّي الأسطوريّ أو الوجوديّ الشّاعر إلى أن ينقل تجربته من حياة في الطّبيعة إلى حياة في الطّبيعة البشريّة ، وإلى حياة في الشّعر والقصيدة ، لأنّ عالم القصيدة ـ بالنّسبة للشّاعر ـ يتّصف بمرونة وطواعية ، فهو قابل للتّرويض والتعديل ، وأضداده مؤتلفات،وهو لذلك لا ينقصه شيء ممّا في عالم الطّبيعة،فيه الرّوح والرّيح ، فيه البرّ والبحر، فيه الرّحلة بين الكلمات ، فيه الحلم ... وكلّ شيء حتّى الموت فيه .

وهاهو شاعرنا عبد القادر الحصني يرحل بنا إلى الماضي السّحيق ، ويبحر بنا إلى وراء صخور الشطآن ، حيث الحريّات المسحورات يستقبلننا :
نحن الحوريّات المسحورات المنسيّات وراء
صخور الشطآن ، وخلف بياض الأوراق (2)



والحوريّات إلهة الطّبيعة في أساطير اليونان، وهنّ عذارى يعشن في الجبال والغابات والمروج والوديان والمياه والبحار و المغاور ويقال إنّهنّ بنات زوس والسّماء ، والمطر الذي يعمل على نزوله الإله يتدفّق ينابيع وينجبهنّ ويقمن بدور الحماية للأزواج ويلهمن العرّافين بالنبؤات ويرافقن بعض الإلهات . (3)

لكنّها في قصيدة عبد القادر الحصني حوريّات من نوع آخر، إنّها الكلمات الّتي ليست كالكلمات على حدّ تعبير نزار قبّاني ، إنّها الكلمات المرقومة في ذاكرة الشّاعر العربيّ :












1 - عثمان حشلاف:الرمز والدلالة في شعر المغرب العربيّ المعاصر. ص174 .

2 - عبد القادر الحصني: الدّيوان.ص28 .

3 - د.طلال حرب:معجم أعلام الأساطير والخرافات.ص1 .1999 .بيروت.ص160



نحن المسكونات بموسيقى الأمواج وأجراس
الأبراج وإيقاعات المرجان الخالد في الأعماق (1)


فالشاّعر إذن ، إذ يلجأ إلى الرّمز المركّب في الأسطورة والشّخصية أو الموقف أو ينشئها لنفسه إنّما يكون كمن يصنع لنفسه مجهرا لتبدو له أشياء الحياة بوضوح أشدّ ، ويكاد هذا الخاطر الرّمزي عن الأسطورة والقصيدة يكون الموضوع الأساس المتكرر في كلّ قصائد عبد القادر الحصني ، بل هو يصرّح في قصيدته هذه ، أنّ الكلمة هي علة وجوده ، ولذلك ينعتها بالأنثى في عموم رمزيّتها وقدرتها على التّناسل :

نحن التشكيلات الأجمل للفوضى حين يهمّ
التكوين برسم هيولى الخلق ، فترتبك الأرتال ،
وتضطرب الأنساق (2)


وهكذا تظلّ الكلمات السّواحر، منسيّات بين السّطور، تسكنها الإيقاعات الجميلة ، رغم أنّها تشكّل الأجمل في كلّ تكوين .

لقد وجد كثير من شعرائنا الشّباب أنفسهم عقب الإحتلال الأجنبيّ لأرضه وما نتج عنه من تخلّف وسوء المنقلب ، وجدوا أنفسهم ومجتمعاتهم مكبّلين بقيود شتّى تمنع كلّ انطلاقة حرّة أصيلة في دنيا البناء والرّقي والتّطوّر الحضاري الذي بدأه أسلافنا في العهود الإسلاميّة الزّاهرة ، تقف دون ذلك عوائق وقيود حقيقيّة تأكدّ أنّه ليس من السّهل تكسيرها وتجاوزها فانكفأ كثيرون منهم على أنفسهم يستنطقون رموزها ، ويطلقون العنان لخواطرهم ، يلتمسون العون والعزاء في آن واحد :
نحن اللّيل المائل في غسق الفجر على أجفان
الصّيّادين ، وتزيين الأسواق بأخبار العشّاق .
نشهد أنّا نعرف هذا الطّفل (3)


إنّ الكلمة الصّادقة ، النّابعة من الإيمان الصّادق ، تميل باللّيل البهيم إلى غسق الفجر، إلى نور الصّباح يشّع بانطلاقة نحو الحياة جديدة ، حيث يختلف الصّيّادون إلى قواربهم ، وتتزيّن الأسواق بأخبار العشّاق . ولا يملك شاعرنا عبد القادر الحصني إلاّ أن يترجّل في محكمة التّاريخ ، ويعلن شهادته لهذا الطّفل ، الذي أنكره بنو إسرائيل ، أولاء القوم الذين اغتالوا الأنبياء ، ومن ورائهم الكلمات ، نعم إنّها شهادة للمسيح عليه السّلام :








1 - عبد القادر الحصني:الدّيوان.ص28 .

2 - المصدر نفسه.ص28 .

3 - المصدر نفسه.ص28 .
رأينا في عينيه الشّمس المنسابة في اليخضور
ورأينا في منطقه مطرا سرياليا وطيور
وسألناه عن اسم حبيبته ، فأشار إلى واحدة منّا ،
وسألها : ما لون النّور؟
يا الله (1)


إذن ،تبدأ مثل هذه العناصر من ثنائية (اللّيل ) و(النّور) ... وتمتدّ حتّى تتجسّد في الصّورة المنيرة لمعالم الرّمز ... ثمّ تأتي في النّهاية حالة التّحوّل من الحزن إلى الفرح ؛ بحيث يكون الرّمز وليد السّياق الشّعري الّذي يكوّن علاقاته ويضفي عليه دلالاته الجديدة لينطلق به من الموقف القديم إلى موقف يرتبط باللّحظات الشّعوريّة المسيطرة على الشّاعر.

ويمثّل رمز( المسيح ) في تجربة شاعرنا مثارا لربط حالة الظلم والقهر ونضال الإنسان في حياتنا المعاصرة ، بالواقع القديم لنضال المسيح ، الّذي عبر المكان وتخطّى الزّمان الأوّل لتجربة حيّة على الدّوام دالّة على المأساة الإنسانية .

فالمسيح إذن ناضل من أجل الإنسانيّة وانتشرت دعوته في موطنه الأصليّ في (الجليل) ، يعود رمزا لتحرير الإنسان من العبوديّة والظّلم ... وهو هنا يأتي للجواب على أسئلة الحوريّات المسحورات :
دعه يقصّ علينا من تأويل حديث عروسات
البحر، فما كنّا نعرف أنّا مسحورات لولاه
دعه ليكتشف النّهر الغامض في كلّ منّا مجراه (2)


نعم ، إنّه المسيح الّذي يستعين بأخيه يوسف عليه السّلام ، المعروف بتأويل الرؤيا ، ليقصّ على الحوريّات من تأويل أحاديثهنّ ...

لقد ظلّت الحوريّات لغزا في حياتنا ، نعم ، لقد ظلّت الكلمات الجميلة ، الحاملة لكلّ معاني الجمال والطّموح لغزا ورؤيا ، تحتاج إلى تأويل الشّاعر المسكون والمهووس بحبّ وطنه ، والمتألّم لجراحاته ...
قصّ الطّفل عليهنّ إلى أن تعبت عيناه ...
أطفأ خوريّ الدّير الشّمع ، ونحّى أطياف اللّهب
الذّهبيّة عن قسمات وجوه القدّيسين ، ومرّ ببال










1 - المصدر السّابق.ص29 .

2 - المصدر نفسه.ص29 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:43 pm


المسجونين نجوم ونساء وحمامات بيض
بينا كان الصّمت الغامق يملأ أرجاء اللّيل
وكان الحقّ غريبا يشبه يوحنّا
ويردّد أصوات الصّوت الصّارخ منفردا في
البريّة ... (1)


لقد كانت شخصية المسيح ، وما يدور في فلك حياته ودرب آلامه معينا للشّاعر يوظّفه للدّلالة على أزمته الوجدانيّة الخانقة ، وعلى مأساة شعبه .

لقد قصّ الطّفل ـ حسب عبد القادر الحصني ـ على الحوريّات الكلمات ، حتّى تعبت عيناه ، وأطفئت قناديل الدّير... ونام الطّفل المعجزة ... وبقي المسجونون المعذبون يقلّبون النظر في سجون اللّيل البهيم ... فظلّ الحقّ شاحبا غريبا كوجه يوحنّا المسيحيّ ... وتبدو معالم الضّعف الإنسانيّ في مسيرة العطاء والتّضحية والفداء :
جلس الطّفل محاطا بجموع من أبناء النّاس ،
وغطّى عينيه ، وبكى ، وبكى ،
وبكت معه الحريّة (2)


وفي الأخير، يعلن الطّفل قمّة ضعفه ، بأن يجلس ويبكي ثمّ يبكي ، وتبكي معه الحريّة الّتي عاش ينشدها . إنّها البراءة المغتالة والبسمة المسروقة من شفتا الطّفل البريء في زمن أضحى فيه كل شيء عرضة للمزايدات والمساومات حتّى أحلام الطفولة وبراءاتها ، إنّها الطّهارة المغتصبة .

وقد يكون في وقوفنا عند قصيدة أخرى من قصائد الشّاعر الحصني وهي قصيدة ( مأساة سجاح ) ما يبيّن منهج الشّاعر في توظيف الرّمز الأسطوري ، ويلقي مزيدا من الضوء على طريقة هذا الشّاعر الفنّية في التّعبير باللّمح السّريع والإيماءة البعيدة والصورة المكثّفة وطي الرّمز فيها حتّى أنّ القارئ العجلان قد لا يتبيّن ما وراء كلمات الشّاعر اللمّاحة وعباراته المألوفة وموسيقاه الهادئة وتماوج المعنى واستغواره واصطخاب الرّمز وتأويله بالنظر إلى أنّ هذا الشّاعر يميل إلى استبطان الرموز وإخفائها برهافة حسّه ودقة مسلكه حتّى لا يبقى هناك غير المعنى المستقطر . (3)











1 - المصدر السّابق.ص30 .

2 - المصدر نفسه.ص30 .

3 - عثمان حشلاف:الرّمز والدلالة في شعر المغرب العربيّ المعاصر.ص116



مأساة سجاح (1)
أنّ سجاحا فركت جسد العفريت
فلم يخرج منه المصباح (2)


وقد يستطيع القارىء العربيّ أن يدرك بشيء من التأمل أنّ معاني ( سجاح) هي سيطرة الواقع الأليم على حياة العرب ، وأنّ العمل الجاد ما عاد يجدي ... فأمتنا أضحت تحيى وسط نور الظلام وحق الباطل {دهليز الباطل والزور} فتضطر إلى تصديق الكذب وتجاهل الباطل والحق،فالعرب لم يبقى لهم سوى نبوءات الكهنة والعرّافين ، كسلاح في وجه العدوّ الغربيّ ، لم يتمكنوا من النهوض والعودة إلى الماضي التليد الّذي كان فيه العربيّ ينعم بالعزة والقوّة ، المملوءة بالإنتصارات والأمجاد .

فكانت بهذا سجاحا أصلح الرّموز للتعبير عن التخلف والركود والضعف في زمن ما عادت تنفع فيه المصابيح وإنّما أضحى الزّمن زمن العمل والمواجهة والديمومة المتواصلة نحوى تحقيق الذّات والمكانة العربية .

ويبدو تهافت الرّمز في هذا المقطع جليا للعيان ، إذ ليس من شأن الشّعر أن يحكم أو أن يقرّر لأنّ ذلك من شأن التّاريخ ، أمّا الشّعر فيعنى بالكثافة والتركيز والإنتقاء في الصّورة والإيحاء بالمعنى دون التّصريح به بقصد إخصاب الذّهن وشحد الشعور بحضور الأشياء في الوعي حضورا فاعلا فيه.

ثمّ إنّ التكثيف الرّمزي الذّي يقوم الشّاعر بإنشائه من جرّاء استلهامه الحوادث التّاريخية أو الشّخصية القصصية الواقعيّة والمتخيّلة متجاوزا بها حدود القدرات البشريّة إلى أن ينسب إليها أفعالا أخرى تقع أسبابها ونتائجها خارج الأفق الإنسانيّ . (3)

وبتعبير آخر هناك لحظات معيّنة في التّاريخ تحدث فيها الوقائع ، وتكون أسبابها وطبيعتها وراء مستوى السّببيّة التاريخية . هنا تتّحوّل وظيفة الأسطورة إلى التّعبير بالصّورة عن الألفاظ الرّمزية الّتي لا يمكن بغير هذه الطريقة وضعها في قول الإنسان ، المتمثّل في الشّاعر.

وشاعرنا عبد القادر الحصني يتخذ من موريس قبق جسرا تاريخيا لامتداد الإنسان :
في الهزيع الأخير من عمر موريس
مرايا مهشّمات







1 - سجاح:كاهنة عرّافة شهيرة،ومتنبّئة،التقت بمسيلمة الكذّاب وتزوّجت به.أنظر:د طلال حرب.معجم أعلام الاساطير والخرافات.ص198 .

2 - عبد القادر الحصني: الدّيوان.ص114 .

3 - عثمان حشلاف:الرمز والدلالة في شعر المغرب العربيّ المعاصر.ص105 .



وورد
ما حكى لي عنها ،
أفاء ظلالا ،
لم تكن تحتها شظاياه تبدو (1)


ويدخل شاعرنا في حوار ذاتي ، أشبه ما يكون بالمونولوج الّذي نشاهده على خشبة المسرح ، لكنّه هنا في مسرح الحياة :
قلت طبع الأشعار أن يسكن الجفن ،
ويذوي في راحة الكفّ خذ
قلت ما قلت ،
وانتظرت طويلا ،
أرتدي هاجسا ، يروح ، ويغدو (2)


لكنّ الحصني الّذي كان يطمح إلى تحقيق هذا المستوى في شعره ، لم يستطع بلوغ الغاية على الرّغم من محاولته الجادة .

ومن الواضح أنّ توظيف الرّمز الأسطوريّ هنا يشوبه تعثر كبير جدّا ، إمّا بسبب جهل الشّاعر الغرض الأصلي للأسطورة ، وإمّا أنّ شاعرنا مايزال يتطلّب الرّمز لغاية التوكيد وتقوية سياق المعنى الذي يوجد خارج الرّمز ولا يأتي به لأغراض تتّصل بالكشف والإيحاء وتحريك الخيال وتحفيز الشّعور ، أو خلق نوع من الوعي المضاعف ، لأنّ مأساة ـ موريس قبق ـ تكمن في :
هاجسا سائلا : ألم يأتي موريس ؟
مجيبا : موريس لم يأت بعد (3)


إذن موريس قبق ، الّذي جعله شاعرنا عنوان قصيدته ينطوي على نبأ مجهول أليم ، إنّه نبأ النّوم ، هل هو نوم ساعة أو ساعتين ؟ أم هو نوم ليلة ؟ أم أنّه النّوم الأبديّ ؟ وتلك هي الفاجعة .

وهكذا يبدو الرّمز الأسطوريّ شديد التداخل بسياقه ،شديد الإلتحام بتشكيله الحسّي،فيكون هذا الشّكل ونسيج الصّورة القاتمة حينئذ مادة الرّمز.









1 - عبد القادر الحصني:الدّيوان.ص86 .

2 - المصدر نفسه.ص87 .

3 - المصدر نفسه.ص87 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هدوء الليل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
هدوء الليل


انثى
عدد الرسائل : 161
العمر : 36
العمل/الترفيه : طالبة
نقاط التميز : 41
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)   الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س) Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2008 4:44 pm



وفي قصيدة أخرى للشّاعر نفسه يتابع استدعاءه للرّموز الأسطوريّة ـ أسطورة الأولمب ـ (1) ليتوسل من خلال ذلك للتعبير عمّا يختلجه من هزّات نفسيّة وصراعات داخلية ، إنّه توسل مستمر للبحث عن السّعادة سعادة الأمّة العربيّة .... يقول :
لا أعرف ، قال الرّب :
أطلّ على الزّقورات العالية ببابل ،
والأهرامات بمصر،
وحدّق في جبل الأولمب ،
اغتمّ على جبل الطّور
تنهّد في درب الآلام إلى الجلجلة ،
ومسّح بالهدبين على غار حراء (2)


والرّمز في مثل هذه القصائد قد يكون جزئيا بسيطا ،ولكنّه في بعضها الآخر ينحو نحو الموقف والدراما ويميل إلى التّركيب و الإنزياح ، وقد يشمل من أجل ذلك أحداث القصيدة كلّها.فالشّاعر يجسّد خوفه من الآتي المجهول ، ويتعالى عن حياة الحاضر المعلوم ، يستعين بنوافذ قصور وأبراج بابل المعلّقة بأهرامات مصر، وجبل الأولمب ، وجبل الطّور، وغار حراء... لكن:
ليس بوسعي أن أفعل أكثر من ذلك قال الرّب ،
فأطرق كهّان وفلاسفة
وارتبك القدّيسون
وحوّم سرب طيور غامضة فوق وجوه الشّعراء (3)


هذا الحشد من مواد وأحاسيس معبّأة في سياق القصيدة ، ومستخلصة كلّها ممّا يحيط بحياة الشاعر يوحي بالرّغبة في صنع ملحمة أو أسطورة جديدة قائمة على أساس الرّمز الكلّي الّذي يجسّد المعاناة والصّراع عن طريق التمثيل والتّجسيم والترديد الصّوتي أيضا ... إنّه البحث عن أرض خصبة يعلن الشّاعر من على وجهها : قنوطه ويأسه .










1 - أنظر: د طلال حرب.معجم أعلام الأساطير والخرافات.ص73 .

2 - عبد القادر الحصني:الدّيوان.ص58 .

3 - المصدر نفسه.ص59 .



نحن وحيدون ، إذن ، في عربات مغلقة ، نتوهّم
بوّابات العالم ، أقواسا ، تحملها أبراج ، ويقوم على
عتبات مداخلها عرّافون يرون المستقبل من خلل
ضجيج العربات ، ويسعون إلى إغلاق التّاريخ ...
ما معنى أن نرسل بمراكب تستقصي أخبار
فضاء الكون ، و تستقرئ أحوال المرّيخ ؟
نحن وحيدون ... (1)


وهكذا تمتثل القصيدة إلى النّهاية بهذه النّغمة الحزينة المتشائمة ، وقد قام القناع فيها بوظيفة الكشف والتوحّد ونوع من الحياد وتطوير الموقف بين ظهور الحدث في بداية القصيدة وانتهائه بهذه النّهاية ، الّتي اختار لها الشّاعر أن تكون حزينة جدا . (2)

كل هذا جعلنا نتساءل : هل نجح الحصني فعلا في توظيفه للأساطير أم لا ؟ إن الشاعر عبد القادر الحصني كان – و كما يبدو – من أعلم أدباء جيله بالأزمة الحضارية ، فكان دائم البحث عن البديل الذي وجده في الأسطورة ، وكان سبب في نجاحه في التوظيف الأسطوري قائما أساسا على مزجه الواقع مع الأسطورة ، و مزج الأسطورة مع الواقع ، و من خلال هذا المزج تشكلت الوظائف الأسطورية في قصائده – على قلتها طبعا – فكان التوظيف الفني للأساطير يحمل في طيَّاته القليل أو الكثير من الرموز ، و الرمز المستعار من التراث .

و يبدو أن الحصني عندما وظف الرموز و الإشارات لم يكن يهدف للنيل من عقيدة معينة أو العودة إلى الوثنية الأولى ، لكنه يهدف إلى ما يمكن أن يؤديه الرمز من معنى في ذلك السياق العام في مجرى الشعر مثل ما فعل مع أسطورتي ( سجاح و الحوريات ) ... و غيرهما .

لقد حرَّر مضامين الأساطير القديمة و حمَّلها مضامين جديدة ، فكانت تجاربه تعكس مشكلة الفرد تجاه المجتمع ، و تعكس الرغبة في الإنتصار تارة ، و تعكس الخيبة و الإنكسار تارة أخرى ، و هكذا تخطى الواقع و عانق الإبداع ، لقد أكسب شخصيات قصائده الطابع الأسطوري ، و جعلها تعبر عن عذاب عام ، و الفنَّان العظيم هو الذي يجعل معاناة الذات هي معاناة للجماعة التي تعيش معها الرغبة في تجاوز الواقع المفروض و المقهور ، و تجاوزه إلى واقع مشرق بعيد للإنسانية و الأخلاق .










1 - المصدر السابق .ص59 .

1 - عثمان حشلاف: الرمز والدلالة في شعر المغرب العربيّ المعاصر.ص163 .





فما دامت الأسطورة باعتبارها ميلا و نزوعا تعمل كخميرة لكل الأشكال التعبير الفنيَّة ، و تضع بين أيدينا منظارا ملونا يعيد البهجة و المعنى إلى الحياة ، فإن باستطاعتنا الركون إليها و اعتبارها مصدرا إيجابيا في إنتاج الثقافة و استهلاكها . (1)

إلاَّ أن قيمة النص الأدبي لا تكمن فيما يقوله فحسب ، بل في كيفية أو كيفيات أدائه لهذا القول أيضا ، و إذا كانت هذه الكيفية / الكيفيات هي ما يجعل منه عملا أدبيا ، فإن الجنس الأسطوري يبدو أكثر الأجناس الأدبية كفاءة في كيفية إبتكار الكيفيات التي تتعدد بها ، و عبرها وسائط نقل الرمز الأسطوري من كونه مادة خاما إلى كونه فنا (2) .

و هكذا أبدى الشاعر إمكانية متميزة في ولوج عالم الأساطير و توظيفها وفق جمالية خاصة و قدرة فائقة على الصبر و الطموح و الثبات ، ما جعله يترك بصمة جمالية سجل فيها كفاحه من أجل الحريَّة ، و من أجل الأمة العربية شرقها و غربها ، شمالها و جنوبها .

فعلا لقد نجح الحصني في توظيفه للأساطير المستلهمة من الأساطير القديمة ، لأن الأساطير تتكلم بلغة الرمز الأسطوري فغايتها خلق الأسطورة ، و بهذا أسطر الحصني الأسطورة ، فأساس خلق الأسطورة هو الأسطورة ذاتها .







































1- أنظر : فراس السواح . الأسطورة و المعنى – دراسات في اليثولوجيا و الديانات المشرقية – ص 31 .

2- د نضال الصالح : النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة . منشورات إتحاد الكتاب العرب . 2001 . ص 163 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأسطورة دراسة أدبية (مقتبسة من مدكرة تخرج للطالب محمد . س)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سكيكدة (منتدى سكيكدة الأول )  :: منتدى الأدب العربي :: قسم دراسات أدبية-
انتقل الى: