نبذة عن الدراسات الثلاث
الدراسة الأولى: اعتمدت البيانات الأولية (عينة من ملفات المتابعة الذاتية للمعلمين والميسرين) المشاركين في مشروع تطوير المدارس الأول في الفترة الواقعة ما بين (1998- 2000).
الدراسة الثانية: دراسة مسحية بعنوان "آراء وتوجهات وتطلعات نحو دعم مدارس القدس الشرقية"، وشملت عينة الدراسة كلاً من الهيئة الإدارية، والكادر المساعد، بجانب الهيئة التدريسية، إضافة إلى التلاميذ من الصف الأول الأساسي حتى التوجيهي، كما كان هناك ممثلون عن المجتمع المحلي والأهل في الفترة ما بين (2000 – 2001).
الدراسة الثالثة: التحدي التربوي في الانتفاضة الثانية، وشملت عينة من المعلمين والمديرين والمجتمع المحلي والشباب الصغير (15 – 18) في كل من المحافظات التالية: نابلس، وبيت لحم، والخليل، وقطاع غزة، في العام 2003.
إن قراءة الواقع التربوي يحتاج إلى مرجعية نظرية توضح العلاقة بين الواقع المعاش، والمعرفة العلمية عن نمو الطفل وتطوره، وعلى حقه كإنسان فاعل ومشارك في تشكيل هذا الواقع. تشكل المبادئ العامة للنهج الشمولي التكاملي المرجعية النظرية للدراسات الوصفية المعتمدة في رصد التوجهات التربوية السائدة ورصد الواقع التربوي في المجتمع الفلسطيني في بداية الألفية الثالثة. طورت الباحثة نظاماً لترميز البيانات التي تم جمعها من الدراسات الثلاث، وذلك بتوظيف مبادئ النهج الشمولي التكاملي في الوصول إلى نظام ترميز يصلح لتطبيقه في مختلف الدراسات والبحوث التربوية التي تسعى لوصف التوجهات التربوية السائدة من منظور النهج الشمولي التكاملي.
معيار النهج الشمولي التكاملي المعتمد في تحليل البيانات
يوضح هذا المعيار موقع البيان من مبادئ النهج الشمولي التكاملي ويتدرج المقياس من واحد إلى خمسة، حيت:
1. يتنافى البيان مع جميع المبادئ النمائية والتقليدية.
2. يدل البيان على تهميش للطفل أو غياب للرقابة أو الرقابة الذائدة.
3. يدل البيان على تقبل وتفهم لطبيعة الطفل وحاجاته النمائية.
4. يدل البيان على الوعي بمصلحة الطفل الفضلى.
5. يتماشى البيان مع مبادئ النهج الشمولي التكاملي.
تحديات تواجهنا في مسيرتنا نحو مستقبل أفضل لأطفالنا
لقد واجهت الأجيال الفلسطينية الخمسة الأخيرة ظروفاً سياسية قاسية كان لها مضاعفات حادة في صميم طبيعة المجتمع الفلسطيني ونمط حياته. وشهدت أنماط الحياة الفلسطينية المتغيرة عبر القرن الماضي تحول المجتمع الفلسطيني من مجتمع زراعي مكتفٍ ذاتياً إلى سكان مستأصلين من جذورهم ومشتتين تعصف بهم كل عقد من الزمان فترات سياسية عنيفة أسهمت في محنة الشعب الفلسطيني، وما زالت تقوّض نسيجه الاجتماعي والثقافي. وكان لتاريخ العنف السياسي هذا وغياب الاستمرارية في حياة الشعب الفلسطيني أقوى الأثر في التربية، وهي "الناقل لأسلوب الحياة".6
لن أخوض في تفسير مستفيض لهذا الجدول وتداعياته في هذه الورقة، سأكتفي بالإجابة "الجزئية" عن هذا السؤال: من هم "الكبار" في الدراسات المشار إليها في هذه الورقة؟
الكبار هنا هم (بالدرجة الأولى) أولياء أمور ومعلمي التلاميذ الموجودين الآن على مقاعد الدراسة (أنظر X7) في الجدول، لنأخذ منهم "المعلمين" أي الذين تخرجوا من الجامعات ما بين العام 1994، وحتى العام 2004، ولنتابع مسارهم التعليمي إلى أن التحقوا في سلك التعليم. يمكن تقسيم هؤلاء المعلمين إلى 3 فئات:
فئة المعلمين ذوي خبرة 8-11 سنة:
هم الذين كانوا في الصف الثامن والصف العاشر عندما اندلعت الانتفاضة الأولى "ودرسوا" ما تبقى من المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية خلال فترة إغلاق المدارس التي دامت قرابة ثلاث سنوات؛ ومن ثم التحقوا في الجامعات ما بين سنة 1991 وسنة 1993، ودرسوا أربع سنوات غير منتظمة شهدت حرب الخليج والأحداث التي رافقت مقاومة سياسة الإغلاق وغيرها من الإجراءات التعسفية التي تلت الانتفاضة الأولى.
فئة المعلمين ذوي خبرة 5- 6 سنوات:
هم الذين كانوا في الصفوف الخامس والسادس والسابع عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، "ودرسوا" ما تبقى من المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية خلال فترة إغلاق المدارس التي دامت قرابة ثلاث سنوات؛ ومن ثم التحقوا في الجامعات ما بين سنة 1994 وسنة 1996، ودرسوا أربع سنوات كانت أكثر انتظاماً من سابقاتها.
فئة المعلمين ذوي خبرة 1- 4 سنوات:
هم الذين كانوا في الصفوف الأول والثاني والثالث والرابع عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، "ودرسوا" ما تبقى من المرحلة الابتدائية وجزءاً من المرحلة الإعدادية فترة إغلاق المدارس التي دامت قرابة ثلاث سنوات؛ والتحقوا في الجامعات ما بين سنة 1995 وسنة 1998، ودرسوا سنتين بشكل منتظم نسبياً، ومن ثم اندلعت الانتفاضة الثانية. ودرسوا آخر سنتين جامعيتين في ظل الاجتياحات والدوام المتقطع لفترات طويلة نسبياً.
قد تتضح بعض معالم الصورة الأولية الناتجة عن الدراسات الثلاث حين نضعها على خلفية الجدول الذي يبين التآكل المزمن للواقع التربوي في فلسطين. للوهلة الأولى، تظهر أن القضية هي عدد الأيام والأسابيع التي انقطعت فيها الدراسة في عام دراسي معين، لكن حين نضع هذه الانقطاعات الكبيرة منها والصغيرة على اللوحة الكبيرة، نجد أن الخطر الذي يتهدد المسيرة التربوية في فلسطين واقع حالياً. لقد تأخرنا كثيراً في التعامل مع هذا الواقع، وإن لم نفعل شيئاً على جانب من السرعة قد نفقد الأمل في تدارك الوضع.
لنتذكر:
"إن ارتباط التربية بالتعليم من أهم المعالم التي تميز الفكر التربوي المعاصر". الحضارة أرحام الفكر التربوي، والفكر التربوي هو أداة الحضارة ووسيلتها في تخليد ذاتها وضمان انسيابها وتناقلها بين الأجيال. إن هذا لا يلغي فعل التربية في الحضارة، لكنه يرسم دور هذا الفعل ويحدد مداه. وهو لا يفترض بالضرورة، سبق الحضارة على الفكر التربوي، لكنه لا يجعل الفكر التربوي لاحقاً بها. فبمحض أن تعي حضارة ما، ذاتها، تحرص على حماية تلك الذات من عوامل الانحلال والاندثار. وعندما يقع هذا الوعي، يتولد التفكير في التربية، ويولد معه القلق الخلاق على التماس خير الوسائل وأجودها في حفظ الذات الحضارية، أي يبدأ الفكر التربوي".7
بالإضافة إلى الصعوبات المادية التي تواجهها المؤسسة التعليمية نجد أن التحديات على المستويين البشري والفكري يشكلان أهم التحديات على الأمد البعيد، ما يجعلهما من أولويات القضايا التي تحتاج إلى متابعة، لما لهما من أهمية في تحديد معالم مستقبل المجتمع الفلسطيني. وفي جوهر الصراع الذي يعيشه شعبنا في مرحلته الحالية، والبحث عن هويتنا المعاصرة، فإن إعادة بناء المجتمع لا يقتصر على مواجهة الصعوبات المادية، وإنما يرتكز على تحديد شكل المجتمع الذي نريد. فشكل المجتمع الذي نريد يساعد على فرز وتحديد الأطر الذهنية والفلسفية التي تنسجم مع طموح أفراد المجتمع على اختلاف توجهاتهم. لا شك في أن هذه الأطر لا بد وأن تنبع من جذور هذا المجتمع الحضارية، وترتكز على الأسس الثقافية التي تميزه وتبني على موروثه الفكري والحضاري.8
جيد أننا بدأنا بطرح السؤال أي تربية نريد؟ ... ففي الجواب بداية لنرسم الطريق حتى يأخذنا اليوم نحو غد أكيد.
د. جاكلين صفير - استاذة التربية في جامعة بيت لحم