هدوء الليل مشرفة قسم النثر و أدب الطفل
عدد الرسائل : 161 العمر : 36 العمل/الترفيه : طالبة نقاط التميز : 41 تاريخ التسجيل : 09/11/2008
| موضوع: جسر إلى الأبد لغسان كنفاني الخميس ديسمبر 04, 2008 2:04 pm | |
|
الحلقة الثانية
(يعقب صوت الشبح صمت مطبق ثم تنفجر الموسيقى بعنف)
فارس: لقد اختفى فجاءة..كما ظهر وحين خطوت إلى خارج الباب أبحث عنه لم يكن هناك إلا الظلام الثقيل والصمت… رجاء: (بلهفة) هل تبينت ملامحه؟ فارس: لم أتبين شيئاً، كان يقف أمامي كالظل كتلة سوداء لم أستطع أن أكتشف فيها ملامح أو طبيعة.. رجاء: وهذه كانت بداية المشكلة معك؟ فارس نعم..منذ تلك اللحظة… رجاء: وأنت تعيش حياتك انتظار موعدك مع الموت.. فارس: أجل، يبدو لك ذلك تافهاً..أليس كذلك؟ رجاء: يبدو لب أنك رجل مثقف؟ فارس: أنهيت دراستي الجامعية منذ عامين. رجاء: ولاشك إذن أنك تعرف ماذا يسمي الأطباء هذه الحالة؟ فارس: وهم رجل مصاب بالوهم، أعرف ذلك جيداً، قاله كل الأطباء الذين راجعتهم وها أنت ذا تقولينه مرة أخرى، وهم، وهم، وهم. أطباء يجلسون في مقاعدهم الوثيرة يستمعون إليك بصمت واعتناء، فإذا استعصى عليهم الحل قالوا: إنه الوهم. رجاء: حياتنا تخلو من الأساطير يا فارس، الأشباح ماتوا، قتلتهم الفيزياء وذوبتهم الكيمياء وأرعبتهم العقول. فارس: قبل شهر كنت مستعداً لإسماعك محاضرة مماثلة، بشيء كثير من المنطق أو الإقناع لو سبقت شهراً واحداً لحدثتك عن العلم والفيزياء والأشباح الذين ماتوا، حدثت معجزة صعقتك..أنا رجل لا يموت يا رجاء..تريدين أن تتأكدي مرة أخري؟ رجاء: (بتحد) أنه شيء غريب ما حصل..هل أنت متأكد من أن مقدمة سيارتي جرحتك؟ فارس: وأنت أيضاً لا تصدقين أعطيني مرآتك هنيهة. رجاء: وماذا تريد بالمرآة؟ فارس: لاشك أن لديك واحدة في محفظتك، أعطني إياها لحظة واحدة فقط. رجاء: (بعد هنيه تفتيش) هذه المرآة..ما الذي تريده الآن؟ فارس: افتحي عينيك تماماً كي لا يفوتك المشهد المسلي.. (صوت المرآة يتكسر) رجاء: كسرت المرآة أيها المجنون..ماذا تريد أن تفعل؟ فارس: انظري إلى لحم ساعدي..ها؟ لحم بشري، مثل لحمك ولكنه أخشن قليلاً..افتحي جيداً..هه. (رجاء تصيح صيحة مجتزأة عالية) رجاء: مزقت لحم ساعدك بمرآة مكسورة أيها المجنون..أنظر إلى دمك..(مضطربة)أنت رجل غريب..دعني أربطه لك. فارس: (بهدوء)لا..لا تتعبي نفسك، انظري إليه الآن..هل تلاحظين شيئاً. رجاء: (برعب)لقد كف النزيف. (تبدأ الموسيقى ثم ترتفع شيئاً فشيئاً) فارس: انظري إلى الجرح، إلى طرفيه..حدقي جيداً.. رجاء: (بنفس اللهجة الخائفة)إنـ ..إنهما يقتربان من بعضهما. فارس: لحظة واحدة فقط.. رجاء: انتهى كل شيء ..لا أثر للجرح..يا إلهي..لا أثر للجرح..لا أثر. (الموسيقى تعلو) فارس: فقط صدقي. فقط صدقي. أنا لا أطلب منك شيئاً يا رجاء فقط أن تصدقي..أنني أبحث عن إنسان يصدقني قبل أن أموت.. رجاء: (فجأة وبعنف ) ولذلك قبلت أن تأتي معي رغم أنك تعرف بأن لا فائدة؟ فارس: (معترفاً) لذلك قبلت أن أجئ معك.. رجاء: والآن؟ فارس: لاشيء لقد انتهت القصة كلها.. رجاء: لا لا لم ينته بعد أي شيء لقد حملتني قدرك فكأنني أنا الذي سأموت بعد أسبوعين.. فارس: أجل أردت منذ البدء أن أحملك قدري..أنه قدر لا يستطيع إنسان واحد أن يحمله بمفرده. رجاء: وما النفع؟ أن سلوكك لن يحل مشكلتك. فارس: أعرف ذلك أعرف ذلك..إنني لم أفعل ذلك لأحل مشكلتي. رجاء: لماذا فعلته إذن؟ فارس: لأكفر عن الخطيئة؟ فارس: الخطيئة التي استحققت من أجلها هذه الميتة البشعة. رجاء: إذن يوجد في الأمر خطيئة.. فارس: الخطيئة والعقاب..هذه هي القصة كلها..هل حسبت أن الأمر كله كان صدفة عابرة؟ رجاء: أنت لم تترك لي فرصة لأحسب أو لا أحسب ..لقد أذهلتني وعطلت تفكيري.. فارس: إذن اعلمي الآن: ليس في الأمر أية صدفة، القصة قصة خطيئة وعقاب. رجاء: أية خطيئة؟ فارس: أتريدين أن تذهبي في الشوط إلى نهايته؟ رجاء: يبدو أن لا مناص من ذلك..ولكن من الذي رتب لك القصة بهذا الشكل؟ من الذي قال لك إن القضية إنما هي خطيئة ارتكبت وعقاب لتلك الخطيئة. فارس: الشبح..الشبح هو الذي قال لي ذلك بنفسه. رجاء: (بلهفة) هل زارك مرة أخري؟ فارس: انه يزورني كل يوم..ماذا؟ أتحسبين أنني رجل يسهل إيقاعه؟ حين زارني في المرة الأولى لم أكترث إطلاقاً..أنا رجل واقعي أعيش على الأرض، كيف تعتقدين انه يسهل إيقاعي؟ رجاء: انه يزورك كل يوم؟ فارس: كل ليلة..في نفس الوقت، تماماً كما فعل في المرة الأولى..لا يقول إلا ما قاله في المرة الأولى، وفي كل ليلة أقول لنفسي لا،لا،لن أرد على صوته وهو يناديني..ولكن ما أن يبدأ بقرع الباب حتى أجد نفسي مسوقاً إلى الاستجابة كأنما بفعل قوة مجهولة.. رجاء: كل ليلة؟ كل ليلة أيها المسكين الشقي؟ أي رعب تعيش فيه؟ فارس: رعب لا يتصوره إنسان ولا يحتمله إنسان..لقد بذلت جهداً لا يبذله بشر لأقنع نفسي أنني إنما أعاني من الوهم ولكن هيهات لقد تركت ذات ليلة باب الدار مفتوحاً كي أتأكد في الصباح أنني لم أكن أحلم وفي الصباح كان الباب مازال مفتوحاً. كما تركته في الليل..وأكثر من ذلك أكثر.. رجاء: (بلهفة)ماذا؟ فارس: أتذكرين حين أثلجت قبل أسبوع؟ لقد شهدت في الصباح أثار خطواته مغروسة في الثلج..وكانت تلك الليلة بالذات هي الليلة التي قال لي فيها أنني إنما أعاقب على خطيئة ارتكبتها..كانت تلك هي الليلة الوحيدة التي قال فيها شيئاً آخر غير الذي يقوله كل ليلة.. رجاء: ماذا قال؟ ( حين يبدأ فارس بالرواية ترافقه الموسيقى والمؤثرات الصوتية التي سيشار إليها لتعلو على صوته كي تسيطر على السياق) فارس: قبل أن آوي إلى فراشي تلك الليلة قررت أن اعرف كل شيء ..لقد قررت أن ادعوه إلى الكلام بأية طريقة حتى لو أدى بي الأمر إلى أن التمسك به ومنعه من الحركة.. وقد بت مترقباً في سريري حتى تجاوز الوقت منتصف الليل، وفي اللحظة التي اعتدت أن اسمع فيها صوت الباب وهو يقرع، بدأ الباب يقرع قمت من سريري وفتحت باب غرفتي وسرت باتجاه باب الدار..ولكنني وقفت هناك دون أن أفتحه..وكانت قبضة الشبح تنهال عليه بلا هوادة..وكان صوته كالعادة يجئ مختلطاً بصوت الريح والرعد.. (صوت الباب يقرع، أصوات الريح والرعد) (خطوات فارس وهو يتجه إلى الباب) (الباب يقرع بعنف) الصوت: افتح يا فارس افتح..سأقول لك كلمة. فارس: (مرتعداً)لا..لن افتح لك هذه المرة. الصوت: افتح يا فارس افتح..سأقول لك كلمة.. فارس: لن افتح لك قبل أن تجيبني على سؤال. الصوت: افتح يا فارس افتح.. فارس: (مقاطعاً) لن افتح أيها الشبح الأخرق..لن افتح ..أرني ماذا تستطيع أن تفعل في الصباح وأنت تختبئ في الظلام والمطر؟ الصوت: افتح يا فارس. (الأصوات تختلط أثناء الحوار، كأنهما لا يسمعان بعضهما) فارس: أجبني على سؤال واحد فقط.. الصوت: (بغضب وبشكل يدل على تغير لهجته) افتح يا فارس افتح..سأقول لك كلمة. فارس: (بجنون)إلى الجحيم أنت وكلمتك المعادة لا تمل من تكرارها. الصوت: افتح يا فارس.. فارس: (مقاطعاً) أريد أن أسألك سؤالاً: لماذا..لماذا..يحدث لي هذا الأمر المرعب..لماذا؟ الصوت: افتح يا فارس..سأقول لك كلمة. فارس: (بنوع من الهستيريا)لماذا..؟لماذا..؟لماذا..؟ (يرتفع صوت الموسيقى بشدة مختلطاً بصوت الريح والرعد وأصوات فارس والشبح مختلطة بينما تغلب أسئلة فارس وهي تتابع بجنون). فارس: لماذا ..لماذا.. الصوت: لأنك قتلت أمك يا فارس..لأنك قتلت أمك.
يتبع.... | |
|
المدير العام Admin
عدد الرسائل : 1435 العمر : 43 العمل/الترفيه : التجارة و الأنترنت مدينتك : سكيكدة جنسيتك : الجزائر نقاط التميز : 33172 تاريخ التسجيل : 27/04/2008
| موضوع: رد: جسر إلى الأبد لغسان كنفاني الخميس ديسمبر 04, 2008 8:49 pm | |
| | |
|
mohamed مشرف منتدى الأدب العربي
عدد الرسائل : 63 العمر : 37 العمل/الترفيه : مرح مدينتك : سكيكدة نقاط التميز : 32 تاريخ التسجيل : 02/11/2008
| موضوع: ممتاز .. عمل رائع ... الجمعة ديسمبر 05, 2008 7:24 pm | |
| | |
|