أولاً: تحقيق مفاهيمه النظرية مقرونة بأدلتها من كتاب الله وسنة رسوله والنقل الصحيح.
ثانيًا: تطبيقه كواقع عملي، تظهر أثاره على عباد الله.
والتوحيد من جهة مفاهيمه النظرية ثلاثة أنواع:
1- توحيد الربوبية.
2- توحيد الألوهية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
وإليك تحليل معانيها وبيان مدلولاتها وأدلتها:
توحيد الربوبية
الربوبية نسبة لاسم الله «الرب» ولها عدة معان منها: المربي، الناصر، المالك، المصلح، السيد، الوالي.
وشرعًا: هو اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم، والإيمان بقضاء الله وقدره وبوحدانيته في ذاته.
وخلاصته هو: توحيد الله تعالى بأفعاله.
الدليل على توحيد الربوبية: وقد قامت الأدلة الشرعية على وجوب ربوبيته سبحانه. كما قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، وقوله: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].
ولقد أقر بهذا التوحيد المشركون السابقون، وأكثر أصحاب الملل والديانات، ولم ينكر هذا التوحيد إلا الدهرية فيما سلف؛ والشيوعية في زماننا.
ونقول لهؤلاء الجهلاء المنكرين للرب الكريم: إنه لا يقبل ذو عقل أن يكون أثر بلا مؤثر، وفعل بلا فاعل، أو خلق بلا خالق، ومما لا خلاف فيه أنك إذا رأيت إبرة، أيقنت أن لها صانعًا، فكيف بهذا الكون العظيم الذي يبهر العقول ويحير الألباب أيكون وجد بلا موجد؟! ونُظِّم بلا منظم؟ اللهم لا؛ إذ لا يقول هذا من كان عنده مسكة من عقل أو ذرة من فهم. وبالجملة: فالبراهين على ربوبيته لا يأتي عليها العد، وصدق الله إذ قال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35].
وكان المشركون يقرون بالربوبية إلا أنهم يجعلون معه شريكًا في العبادة ، وما كانوا يساوون آلهتهم بالله في كل شيء، بل في المحبة والخضوع، لا في الخلق والإيجاد والنفع والضر.
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25].
واعلم أخي الموحد: أن هذا التوحيد لا يُدْخِل الإنسان في دين الإسلام ولا يعصم دمه وماله ولا ينجيه في الآخرة من النار؛ وذلك لأن قلوب العباد مفطورة على الإقرار بربوبيته، ولذا فلا يصبح معتقدهُ موحدًا حتى يلتزم بالنوع الثاني من أنواع التوحيد وهو:
توحيد الألوهية
الألوهية مشتقة من كلمة «إله» بمعنى المعبود المطاع، وهو يطلق على المعبود بحق كقوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] وشرعًا: هو إفراد الله بأفعال العباد؛ كالصلاة والصيام والزكاة والحج والذبح، والنذر والخوف، والرجاء والمحبة، وعلى أنهم يفعلونها طاعة له وابتغاء مرضاته، ولذا يعلم أنه لا يتحقق توحيد الألوهية إلا بوجود أصلين:
الأول: أن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه دون ما سواه، ولا يُعطى المخلوق شيئًا من حقوق الخالق وخصائصه. فلا يعبد إلا الله، ولا يُصلى لغير الله، ولا يُسجد لغير الله، ولا يُحلف بغير الله، ولا يُنذر لغير الله، ولا يتوكل على غير الله، وإن توحيد الألوهية يقتضي إفراد الله وحده بالعبادة، والعبادة: إما قول القلب واللسان، وإما عمل القلب والجوارح.
الثاني: أن تكون العبادة موافقة لما أمر به الله ورسوله . إن أهم ما يقتضيه توحيد الألوهية التسليم التام للكتاب والسنة، وهو الذي يأتي بالمدلول الحقيقي لكلمة الشهادة.
* فتوحيد الله سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة؛ هو تحقيق شهادة (أن لا إله إلا الله).
* ومتابعة رسول الله والإذعان لما أمر به ونهى عنه هو تحقيق شهادة أن (محمدًا رسول الله).
هذان أمران لا نجاة للمسلم إلا بهما، فيجب أن لا نتحاكم إلى غيرهما، ولا نرضى بحكم غيرهما. كما أمر الله عز وجل نبيه : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]، حيث أمر الله تعالى نبيه بالاستقامة وأن تكون هذه الاستقامة وفق الكتاب والسنة، وكل طريق سوى القرآن والسنة هو إلى النار، وليس بعده إلا الضلال.